تحليل
دعت موجة أخيرة من الدعاية العسكرية إلى "مقاومة شعبية" للدفاع عن السودان ضد قوات الدعم السريع، بعد سلسلة من الهزائم العسكرية. وحضر آلاف المدنيين مسيرات لإظهار استعدادهم للقتال والموت، إذا لزم الأمر. بعض المدنيين مسلحون بالفعل، بينما يأمل آخرون أن تمنحهم الحكومة الأسلحة.
حركة "المقاومة الشعبية" منفصلة عن التجنيد العسكري الرسمي، وإن كانت مرتبطة به، وتعكس إدراكًا متزايدًا بأن الجيش غير قادر على هزيمة قوات الدعم السريع بمفرده. وبعد ثمانية أشهر من الدعاية حول الانتصارات الزائفة، التي روجت لها أجهزة الدعاية التابعة للجيش ومؤيديه السياسيين، أصبحت الحقيقة واضحة أخيراً أمام الجميع: وهي أن الجيش يخسر.
ومع ذلك، فإن الأمل الجديد في "المقاومة الشعبية" قد يكون وهماً آخر. هناك عدة أسباب لذلك:
1. التنقل: يعد التنقل جزءًا أساسيًا من الحرب الحديثة، وهو أحد نقاط القوة الأساسية لقوات الدعم السريع، والتي فشل الجيش في التصدي لها. ويفتقر المقاتلون المدنيون إلى المعدات الأساسية والتدريب التكتيكي للمشاركة في حرب التنقل.
2. القوة النارية: تمتلك قوات الدعم السريع العديد من الأسلحة الثقيلة ولا يمكن مواجهتها بسهولة بالأسلحة الصغيرة وحدها. وبدون قذائف الهاون، والدوشكا، والمدافع الرشاشة، وقذائف الآر بي جي، وغيرها من الأسلحة الثقيلة، سيتم التغلب على "المقاومة الشعبية".
3. القيادة والسيطرة: بينما يستطيع المدنيون المشاركة بفعالية في المناوشات والمعارك الصغيرة، فإن العمليات العسكرية الكبيرة تتطلب هياكل قيادة فعالة. لا يمكن بناء مثل هذه الهياكل بين عشية وضحاها، ولكنها تتطلب سنوات من التدريب والخبرة حتى يتسنى للجنود والقادة على كل مستوى من مستويات التسلسل الهرمي فهم صلاحياتهم ومسؤولياتهم. من الصعب فرض القيادة والسيطرة الفعالة داخل المنظمات التطوعية.
4. اللوجستيات: تفتقر فصائل المقاومة الشعبية إلى الإمدادات والغذاء والوقود اللازمة للتحرك خارج مناطق تواجدها. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون دعم بعضهم البعض بشكل فعال. وعلى النقيض من ذلك، يتمتع الجيش الحديث بالقدرة اللوجستية على نقل القوات من جزء من مسرح الحرب إلى جزء آخر، اعتماداً على المكان الذي تحتاج فيه القوات. إن الافتقار إلى القدرة اللوجستية يعني إمكانية هزيمة قوى المقاومة الشعبية بشكل فردي، مكانًا بعد مكان، لأنها تفتقر إلى القدرة على دعم بعضها البعض.
هذه العوامل تجعلنا نشك في أن قوى المقاومة الشعبية الجديدة ستحدث أي فرق جوهري في الوضع العسكري العام. قد يكونون قادرين على إبطاء هجوم قوات الدعم السريع، لكنهم على الأرجح غير قادرين على هزيمته. ولن يتمكنوا من المشاركة في العمليات الهجومية والهجمات المضادة.
ولذلك فإن «المقاومة الشعبية» ليست بديلاً عن الجيش التقليدي. بل ويمكنها أن تساهم في تحقيق هزيمة أسرع للقوات المسلحة السودانية إذا تنافست هذه الجماعات مع الجيش على المجندين والأسلحة والتمويل من الدولة.
وبنفس القدر من الأهمية، فإن "المقاومة الشعبية" ليست بديلاً عن الاستراتيجية السياسية. إن إنشاء المزيد من الميليشيات المحلية لن ينهي الحرب. بل على العكس من ذلك، يمكن أن يخلق الظروف الملائمة لحالة دائمة من الحرب والتمرد ومكافحة التمرد.
ولن تشكل مثل هذه الجماعات المدنية مشكلة خطيرة لقوات الدعم السريع على المدى الطويل إلا إذا شكلت الأساس للتمرد. يمكن للمدنيين المسلحين نصب كمين لقوات الدعم السريع، ووضع الأفخاخ المتفجرة في الطرق، ومهاجمة خطوط الإمداد الخاصة بهم، وما إلى ذلك. وهذه هي التكتيكات النموذجية لحرب العصابات. لكن هذا السيناريو لن يحدث إلا بعد هزيمة الجيش السوداني في المناطق التي تحتلها قوات الدعم السريع. ومن شأنه أن يقوض سيطرة قوات الدعم السريع، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى هزيمة قوات الدعم السريع بشكل عام.
في هذا السيناريو، ستدخل البلاد في دائرة من هجمات المتمردين والهجمات المضادة التي لا نهاية لها، وعمليات القتل الانتقامية وربما حتى التكتيكات اللاإنسانية، مثل التفجيرات الانتحارية واغتيالات المدنيين المزعومين المتعاونين، بما في ذلك الأبرياء.
وغني عن القول أن العواقب الإنسانية والاقتصادية المترتبة على ذلك ستكون وخيمة. وسيظل السودان في حالة حرب وتمرد وعنف عرقي لسنوات أو حتى لعقود.
وبعبارة أخرى، فإن المقاومة الشعبية هي تكتيك يائس وغير تقليدي لن يؤدي إلا إلى حالة من الحرب غير التقليدية الطويلة الأمد. ولتجنب ذلك، يجب على القوات المسلحة السودانية تحقيق الانتصارات على قوات الدعم السريع بالوسائل التقليدية، وقد أظهرت حتى الآن أنها غير قادرة على تحقيق ذلك.
والسيناريو الوحيد الذي يتجنب سنوات من الحرب والمزيد من الدمار الاقتصادي هو الحل التفاوضي. ولا يريد أي من الطرفين التوصل إلى اتفاق، ويخشى الجمهور من النتيجة المحتملة للمفاوضات، والتي قد تؤدي إلى إفلات مجرمي الحرب من العقاب ووضعهم في مناصب السلطة. ولذلك فإن مسار التفاوض له مخاطره ومزالقه المحتملة. لكن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يمنع تدمير السودان.