تحقيق: سودان وور مونيتور
لم يتوقع السودانيين أن تمضي حرب أبريل المدمرة لبلادهم بهذه الوتيرة، فالحرب التي إندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، والتي توقع لها البعض أن تحسم خلال ساعات أو أيام قلائل بدأت رويدا رويدا تأخذ منحى تدميري لثروات بلادهم القومية وبنيتها التحتية، ومن بين تلك الثروات القومية التي أصبحت مسرحا للعمليات العسكرية لجنرالات الحرب من طرفي الصراع، هي النفط السوداني ومؤسساته المختلفة والتي وجدت حظها من الخراب والتدمير خلال الحرب التي تشهدها البلاد حاليا والتي دخلت عامها الثالث، وبعد مرور أكثر من (25) شهرا من الحرب إقترب قطاع النفط في السودان من الانهيار الكلي، إثر توقف عدد كبير من الحقول المنتجة وتدمير وتخريب بعضها، فضلا عن توقف مصافي التكرير في ( الخرطوم والأبيض) إضافة إلى توقف تدفق النفط القادم من دولة جنوب السودان عبر خط الأنابيب بسبب تداعيات الحرب.
السيطرة على البنية النفطية:
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تم تقسيم السيطرة على البنية التحتية النفطية للبلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع، وإحتفظ الجيش بالسيطرة على محطة التصدير في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، فيما سيطرت قوات الدعم السريع على المصفاة الرئيسية في الخرطوم، والتي سيطر عليها الجيش قبل ثلاثة أشهر تقريباً، فيما سيطرت قوات الدعم السريع على محطة ضخ واحدة على الأقل، وفي بداية الحرب امتنع الطرفان عن تعطيل تدفق النفط الخام مباشرة عبر خطوط أنابيب السودان، ولكن فيما بعد أعاقا إمداد المواد اللازمة لصيانة محطات الضخ، مما أدى إلى توقف خط أنابيب بترودار في فبراير 2024م، وتعرضت عمليات تكرير البترول لتعطيل شديد في جميع مواقع المعالجة، فيما يبدو أنه تم ذلك بعد تحركات عسكرية استراتيجية من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للحد من وصول الطرف الآخر إلى الوقود، وبما ان الطرفان امتنعا في بداية الحرب عن استهداف البنية التحتية الاستخراجية في السودان، لكن هجومًا لقوات الدعم السريع في أواخر أكتوبر 2023م أدى بشكل غير مباشر إلى تعطيل الاستخراج.
النفط مسرحا للعمليات العسكرية:
وعلى نحو مفاجئ أصبحت حقول النفط مسرحاً للعمليات العسكرية لجنرالات الحرب من طرفي الصراع، وإنتقلت المواجهات العسكرية وتمددت لتشمل حقول النفط في ولايتي غرب كردفان وشرق دارفور، وبالتالي توقف الإنتاج من تلك الحقول بل طال معظمها التخريب والسرقة، كما توقفت ايضاً منشآت أخرى ذات الصلة مثل مصفاة الخرطوم ومصفاة الأبيض في شمال كردفان بسبب صراع طرفي الحرب في السيطرة على إمدادات الوقود، وفي 30 - أكتوبر - 2023م، هاجمت قوات الدعم السريع مطار بليلة في ولاية غرب كردفان الذي يتبع لشركة بتروانرجي والتي تنتج (16) ألف برميل يومياً، وتم تعطيل مدرج المطار، وصاحب ذلك نهب مكاتب ومخازن الشركة بالكامل، ويذكر أن الهجوم الذي تم في شهر اكتوبر 2024م، على مطار بليلة كان بسبب تواجد قوات الجيش حسب ماصرح به الدعم السريع والذي أعلن سيطرته على مطار بليلة، واتهم الجيش بأنه يقوم بترحيل قواته عبر مطار بليلة ويستخدمه أيضا في الهجوم على ولاية غرب دارفور.
وبثت قوات الدعم السريع مقطع فديو من داخل مطار وحقل بليلة بتاريخ 30 - اكتوبر - 2023م فيما قال بيان صادر عن تجمع العاملين بقطاع النفط ان قوات الدعم السريع سيطرت على جزء من الحقل وعلى مطار بليلة، ونشر فيديو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بذات التاريخ ظهر فيه جنود يرتدون زي الدعم السريع يحتفلون بالاستيلاء على مطار بليلة بولاية غرب كردفان، وحمل تجمع العاملين بقطاع النفط قوات الدعم السريع مسؤولية المنشات النفطية، وقال التجمع في بيان علي صفحته بالفيسبوك بذات التاريخ أن قوات الدعم السريع قامت بهجوم نتج عنه استلام مطار بليلة وجزء من الحقل النفطي، وفي 2 - نوفمبر - 2023م ذكرت وسائل الاعلام ان الجيش استعاد مطار وحقل بليلة بعد أيام من سيطرت قوات الدعم السريع عليه.
وبسبب الحرب خرجت عدة حقول بولاية غرب كردفان من دائرة الإنتاج، منها حقول (دفرة ونيم و وموقا وبرصاية) وتعرضت بعض الآبار النفطية للتخريب بسبب المواجهات العسكرية، وفي ولاية شرق دارفور تم تدمير كل منشآت حقلي (زرقة أم حديده وسفيان) بالكامل و نُهبت مخازن الشركات ومحطات الكهرباء ودمرت آليات الحفر والصيانة في تلك الحقول، وشمل التخريب حقول (شارف وأبو جابرة) وطال النهب السيارات والأثاث، والكوابل الخاصة بالآبار، وسكن العاملين ومخازن قطع الغيار ومحطات الكهرباء، وأُحرقت أجزاء من منشآت النفط في منطقة (زرقه أم حديدة وسفيان) والتهمت النيران برج لصيانة الابار، وتعرضت معظم مناطق إنتاج البترول في ولايتي غرب كردفان وشرق دارفور للتخريب والتلف المتعمدان في الحقول، وسرقة الكوابل الخاصة بالآبار، والمعسكرات وسكن العاملين والمخازن، فيما تعرضت عدد من محطات الضخ للهجوم من قبل قوات الدعم السريع وهي: (محطة الابيض، ومحطة أم سيالة، ومحطة بالقرب من امدرمان).
حقول وشركات رئيسية:
بدأت جهود إستخراج النفط في السودان منذ أمد بعيد ومرت بعدة مراحل، وكانت شركة شفرون الاميركية هي أول شركة بدأت عمليات الاستكشاف، وبعد مجهودات كبيرة في عام 1999م، تم تصدير أول شحنة نفط سوداني عبر ميناء بشائر، وكانت سعتها (600) ألف برميل من النفط السوداني، وتفيد متابعات فريق التحقيق ان شركة شفرون خلفت ثروة معلوماتية ضخمة أصبحت الاساس لعمليات انتاج النفط في السودان، وبفضل هذه الثروة المعلوماتية تم انشاء عدد كبير من المنشات والمربعات النفطية وهي حقول منطقة هجليج (مربعb2-1- 4 بامبو – دفرة – كنار- تور- تومة ثاوث – نيم) وحقول منطقة بليلة بغرب كردفان مربع (6) وحقل منطقة شارف بشرق دافور مربع (17) وحقل الراوات بولاية النيل الابيض جنوب مدينة كوستي مربع (25).
وتفيد متابعات فريق التحقيق أن معظم حقول النفط الرئيسية تقع في ولاية غرب كرفان، وأبرزها تقع في مربعي (1 و2 و 4) والشركة الرئيسية التي تعمل في تلك المربعات هي شركة ( 2P -OPCO) والحقول الرئيسية في تلك المربعات هي حقل هجليج وهو عبارة عن مجمع كبير يضم بداخله عدد من الحقول هي ( بامبو، دفره، نيم، كنار) بينما تعمل شركة بترو إنرجي في مربع (6) والحقول الرئيسية في هذا المربع هي ( حقل بليلة CPF، وبرصاية، وموقاء، والشك، وزرقة أم جديدة، وسفيان) وتعتبر شركة بترو إنرجي شراكة بين الشركة الصينية الوطنية للبترول CNPC بنسبة 95٪ من الاسهم، وتساهم شركة سودابت بنسبة 5٪ من الأسهم.
فيما تعمل شركة استار أويل في مربع (17) مع شركة شارف لعمليات البترول والتي آلت في العام الماضي إلى وزارة الطاقة والنفط ومن أبرز الحقول في هذا المريع هي حقلي ( شارف، وأبو جابرة) فيما يقع حقل (الراوات) بمربع (25) جنوب مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، وتعمل في هذا الحقل شركة (الراوات) ضمن كنسورتيوم يتكون من شركة (سودابت) بنسبة 70% وشركة (اكسبريس) النيجيرية بنسبة 15% و(منسانا) النيجيرية بنسبة 15%. وبجانب شركة بتروانرجي هناك شركة (توبي) وتعمل هذه الشركة في منطقة هجليج والتي تقع في سيطرة الجيش وهي الشركة الوحيدة التي تعمل في مجال الإنتاج، رغم ان هناك اشتباكات في المناطق المجاورة لها ومحاولات للهجوم على منطقة هجليج نفسها، ولكن الجيش حتى الان مسيطر والموظفين متواجدين هناك باعتبارها الشركة الوحيدة المنتجة وتقوم بتصدير الخام، وهناك شركات صغيرة تتبع للوزارة مثل الراوات واستار اويل حدث لها هجوم من الدعم السريع وتوقفت عن العمل.
الانتاج النفطي .. نظرة تاريخية:
وباالنسبة لانتاج النفط في السودان أكد الخبير النفطي المهندس التاج الشيخ التاج أن السودان فقد ثلثي النفط المنتج بسبب إنفصال جنوب السودان، والثلث الذي تبقي بدأ يتناقص تدريجيا وحتى مارس 2023م كان انتاج جميع حقول السودان حوالي (60) ألف برميل في اليوم، وبعد 14 - أبريل 2023 التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير أصبح انتاج السودان (19) ألف برميل فقط في اليوم بحسب ما أفاد التاج، وأضاف قائلا: ( بعد حرب ١٥ أبريل توقفت جميع الحقول التي كانت تعمل في السودان باستثناء جزء من حقل هجليج - داخل منطقة هجليج ونيم وبامبو ودفرا وستيت) موضحا أن هذا الحقل تقوم بتشغيله شركة (تو بي أوبكو) مبينا أن حقل بليلة يعتبر ثاني أكبر حقل وهو متوقف تماما عن الانتاح بسبب الحرب، والشركة المشغلة للحقل هي شركة (بتروانرجي) فضلا عن حقل سفيان والشركة المشغل له هي شركة (بترو انرجي ).
وأكد التاج ان جميع هذه الحقول متوقفة الان باستثناء إثنين من حقول هجليج وهما حقل هجليج الذي يقع داخل منطقة هجليج وحقل بامبو، موضحاً ان هذين الحقلين اثناء الحرب وصل انتاجهما الى (١٩) ألف برميل في اليوم، مشيرا الى انه حصل ارتفاع طفيف في الشهور الماضية وارتفع الانتاج الى (21) ألف برميل في اليوم، ونبه التاج الى أن الحقلين يواجهان صعوبات لوجستية معقدة، متمثله في نقل الوقود وصعوبة توفير قطع الغيار للاليات التي تعمل، بجانب توفير المواد الغذائية للعاملين في تلك الحقول، وحتي تبديل طواقم العمل اصبح صعب للغاية، وبحسب ما أفاد التاج فان هذه العوامل مجتمعه جعلت الانتاج يسير بصعوبة جدا.
وكشف الخبير النفطي المهندس التاج الشيخ التاج عن حقيقة مفادها أن الثلاثة حقول الاخري التي تتبع لحقل هجليج وهي (نيم، دفرا، ستيت) هذه الحقول توقفت تمام بعد الحرب التي تسببت في تدمير شامل للبنى التحتية بها مثل (محطات الكهرباء، وغرف الابار، وبلوفات الخط الناقل جميعها توقفت) وذكر التاج ان الحرب أثرت على حقول النفط جميعها لانها دمرت المنشأت النفطية في معظم الحقول باستهداف سرقة النحاس والكوابل، وأضاف قائلا: (أي غرفة او خط به كوابل اتنهب من تحت الارض وهذه اضرار كبيرة لم يتم حصرها حتي الان لان هنالك اتيام لم تستطيع الوصول الى المناطق التي بها ضرر ولكنها حصرت الاضرار الكبيرة جدا بارقام تقديرية ولم تسلم هذه اللجان تقريرها النهائي حتي الان).
وعن الوضع الحالي لانتاج النفط في السودان يقول المهندس التاج ان حقل هجليج هو الحقل الوحيد الذي بدأ به أمل تطور قليل لانه متاخم لحدود دولة جنوب السودان، ولأنه كان حقل واحد مع حقل يونتي بجنوب السودان قبل الانفصال والشركة المشغل لحقل يونتي تسمي (جوبك) وهذه الشركة أبرمت اتفاقيات مع شركة ( تو بي أوبكو) المشغله لحقل هجليج لان المنفعة متبادلة لوجود منشات ضخ حقول دولة جنوب السودان في منطقة هجليج، وهم وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع شمال السودان حتي لا تقف منشأتهم وأضاف قائلا:( الان بعد هذا الاتفاق الذي تم بدأ جلب الوقود وبدأت تسهيلات في ترحيل قطع الغيار والزيوت والمحروقات الخاصة بالاليات وهذه كانت اكبر المعوقات وكذلك المواد الغذائية جميعها أصبحت تأتي من جنوب السودان).
ورسم الخبير النفطي المهندس التاج الشيخ التاج صورة قاتمة وبائسة لحقول (نيم ودفرا وستيت) وأكد ان هذه الحقول صعب أن تعود للخدمة لاعتبار ان الوضع الامني بها غير مستقر، وقد لاتدخل الانتاج في اقل من سنه اذا توفر لها الوضع الامني لانها تحتاج لعمل فني ضخم جدا، وبالنسبة لحقول (فلج وعدار) التي يتبع انتاجهما لدولة جنوب السودان، أكد المهندس التاج أن شمال السودان ليس لدية انتاج من هذين الحقلين، ولكن لديه منشأت تخدم لدولة جنوب السودان ويأتي منها عائد والمشغل لهذا الخط شركة ( بابكو) بشائر، وهذا الخط يمر بالرنك والجبلين والمحطة الكبرى له في منطقة نعيمة (ودشلعي) التي تقع تحت سيطرت الدعم السريع، والان تجرى به صيانه لانه بسبب الحرب حدث به مشاكل في محطتي (نعيمة والعيلفون) متمثلة في سرقة قوات الدعم السريع للجازولين الموجود بالمحطات مما أدى لتوقف الكهرباء التي تسببت في تجمد الخام بالخطوط، مبينا ان الخام يمر بهذه المحطات للتسخين فهو يحتاج لدرجة حرار مابين (٦٠ – ٧٠) درجة، فضلا عن ذلك فان حكومة جنوب السودان تواجه مشاكل بتراكم مياه النيل الابيض التي بدأت منذ (3) سنوات مما اعاقت حركة الاليات، وهذا الامر أيضا سيوقع ضرر على السودان بفقدانه عائدات النقل بخط بشائر.
أهمية هجليج الإقتصادية والإستراتيجية:
وبحسب متابعات فريق التحقيق فإن الإنتاج من حقل هجليج بدأ في عام 1996 مع استمرار تطويره ويعتبر الآن الحقل الأكبر في المنطقة، وتضم هجليج محطة معالجة وضخ النفط الرئيسية CPF – central production facility) ) والتي يمر عبرها نفط دولة جنوب السودان وشمال السودان على السواء، وخزانات للوقود الخام بسعة تزيد عن (400) ألف برميل، ونحو (19) معسكرا لموظفي الشركات العاملة في مجال النفط المحلية منها والأجنبية، بجانب محطة كهرباء تغذي كافة حقول النفط في المنطقة، ويتبع حقل هجليج في السابق إلى شركة النيل الكبرى لعمليات البترول (GNPOC) وهي كونسورتيوم يضم شركات صينية وماليزية وهندية وسودانية ويدار الحقل الآن بواسطة شركة B OPCO) 2) وهي شركة سودانية بنسبة 100%.
وتعتبر هجليج من المناطق الغنية بالنفط والمهمة بالنسبة للاقتصاد السوداني، وهي تغذي الاقتصاد السوداني بإنتاجية تتجاوز العشرين ألف برميل يوميا، بعد أن فقد السودان ثلاثة أرباع نفطه مع انفصال الجنوب في العام 2011م وتحصل فريق التحقيق على العدد الحقيقي لأبار النفط بحقول ولاية غرب كردفان وبلغ عددها (402) بئر، منها (250) بئر بحقل هجليج النفطي منها (80) بئر خارج الخدمة لأسباب فنية و(170) بئر تنتج الأن، فيما بلغ عدد أبار الحقول النفطية الأخرى (152) بئر موزعة كالأتي: (حقل بامبو "44" بئر، وحقل نيم "77" بئر ، وحقل دفره "22" بئر، وحقل كنار "9" ابار) ليصل مجموع هذه الآبار الى (402) بئر بولاية غرب كردفان، وكان الإنتاج من آبار هجليج (60,000) برميل فى اليوم، وتراجعت الآن الى (20,000) برميل في اليوم، ويذكر أن حقل هجليج هو الحقل الوحيد الذي يعمل حتى الآن، أما بقية الحقول والآبار توقفت عن الانتاج بسبب الحرب.
خسائر شركة بتروانرجي:
وتعتبر حقول شركة بترو-انرجي الواقعة بولاية غرب كردفان من مواقع الانتاج النفطي ذات الاهمية الاستراتيجية لارتباطها بمصفاة الجيلي، ومن بين حقول شركة بترو انرجي حقل سفيان النفطي الذي يقع في ولاية شرق دافور، ويقع هذا الحقل ضمن امتيازات الشركة بمربع (6) وينتج حوالي (5) ألف برميل في اليوم، ونشر تجمع العاملين بقطاع النفط على صفحته بالفيسبوك عدد من الصور توضح حجم الضرر الذي لحق بحقل سفيان وحديدة، كما نشر التجمع مقطع فيديو على صفحته بتاريخ 11 - مايو - 2024م يوضح حجم تدمير الكوابل الارضية للكنترول التي تم حفرها وسرقتها بجانب الطلمبات، بالاضافة الى المولدات المشغلة للابار التي تدمرت بسبب الحريق.
وأظهر مقطع فيديو أخر بتاريخ 20 - نوفمبر - 2024م عدد من الجنود يرتدون زي الدعم السريع وفي الخلف يظهر دخان متصاعد، فيما أكد أحد الجنود انهم استولوا على حقل سفيان للبترول الذي يعتبر أكبر حقل نفطي بالمنطقة، ونشرت صفحة رصد السودان فديو ظهر فيه عدد من الجنود يرتدون زي الدعم السريع، وأكد أحد الجنود انهم استولوا على حقل سفيان النفطي، وتحصل فريق التحقيق على فيديو يوضح تدمير ونهب حقلي سفيان وحديدة التابعين لشركة بترو انرجي بتاريخ 11 - مايو- 2023م فيما نشر تجمع العاملين بقطاع النفط عدد من الصور على صفحته بالفيسبوك توضح حجم الدمار والتلف والتخريب الذي تعرضت له محطة ضخ ((Bv2 التي تتبع لشركة بتروانرجي بتاريخ 27 - نوفمبر - 2023م بمنطقة ام عدارة بغرب كردفان، وبحسب وسائل الاعلام فان متفلتين قاموا بحرق وتخريب محطة ضخ ام عدارة.
نهب شعبي وأثار بيئية:
وأكد المهندس سليمان عبدالله في حديثه لفريق التحقيق أن قوات الدعم السريع قامت بالهجوم على مطار بليلة بحجة ان المطار حوله الجيش الى مطار حربي، موضحا أن قوات الدعم السريع لم تعتدي على الشركات وبعد إنسحابها، انسحب ما تبقى من الجيش وعمال وموظفي الشركات، وبعد اخلاء المواقع قامت عصابات تمتطي الدراجات النارية بالهجوم على مقار الشركات ونهب بعض محتوياتها، ونهب وابورات محطات المياه الأمر الذي أدى لخروجها كلياً من الخدمة، وبعد الهجوم على مطار بليلة قام والي غرب كردفان أدم كرشوم وقتها بتشكيل لجنة لحصر ما تبقى من الآليات، ولكن فيما بعد إكتشف البعض أن لجنة الحصر ذاتها مارست النهب فانسحب معظم الاعضاء منها، وبعد ذلك تكالبت مجموعات بالدراجات النارية (المواتر) على مقار الشركات ونهبت كل ما تبقى منها بما في ذلك المباني والكونتنرات وكرفانات السكن ولم يتبقي منها شيئاً.
وأضاف المهندس سليمان عبدالله قائلاً : (الآن لا يوجد بحقل بليلة وما يشمله من حقول شيئ وأصبح أثراً بعد عين) فيما قال مهندس آخر فضل حجب اسمه ان اول من بدأ بالتخريب والنهب هم عمال الشركات نفسها ولجان الحصر، وكذلك شباب مجتمعات الحقول الذين يعلمون مداخل مقار الشركات ومحتوياتها، فيما ذكر ضابط أمن فضل حجب اسمه إن عمليات التخريب والنهب طالت حتى اليات الحفر (الرقات) والآليات الثقيلة متفقاً مع إفادات المهندسين أعلاه ، مؤكدا ان السرقات وعمليات السطو على شركات البترول ليست جديدة فهي موجودة منذ وجود أول شركة تنقيب، ولكنها أخذت طابع النهب المسلح بعد اندلاع الحرب وانتصرت نهائياً بعد الهجوم على بليلة وانسحاب الجيش من مناطق البترول، وأكدت المحامية ريان غبوش مديرة المرصد السوداني لحقوق الانسان أن جميع الشركات ومقارها تعرضت لأضرار كبيرة إن لم يكن قد تدمرت كلياً .
وفي الجانب المتعلق بالأضرار البيئية قال الخبير البيئي الدكتور حسن حماد لفريق التحقيق لقد طالت يد التخريب والنهب شركات البترول وتم إستهدافها بطريقة مباشرة، وتخطت ذلك لتشمل الآبار والبلوفة مما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من الزيت الخام من الآبار، مسببة بحيرات من الزيت الخام تجده بصورة سافرة في منطقة (نيم) و (الحجيرات) وكذلك منطقة (دفرة) وتغطي هذه البحيرات مساحات واسعة ويتحرك الزيت مع حركة المياه محدثة اثار بيئية خطرة على الانسان والحيوان والنبات، فيما أفاد العمدة خريف رحمة بأنه مع توقف شركات صيانة الطرق من العمل نهائياً تدهورت كل الردميات والطرق الرئسية والفرعية، فجرفتها سيول الامطار هذا العام ، وانقطع الطريق الرابط بين حقول (بليلة) وحقول (دفرة) ، مروراً بحقل نيم ومنطقة (الحجيرات) ، (وناما) و(الدبب) موضحا أنه لا سبيل لإصلاحه لأن العلب المعدنية تم نهبها.
كتائب الإسلاميين على الخط:
ومنذ ظهور النفط في نهاية تسعينيات القرن الماضي أنشأت حكومة الانقاذ قوات شبه نظامية ذات طابع قبلي، وذلك لأغراض مختلفة أهمها تأمين حقول وشركات تنقيب وإستخراج النفط من هجمات قوات الحركة الشعبية وقتها، وكانت أبرز هذه القوات هي قوات الدفاع الشعبي، والشرطة الشعبية، والأمن الشعبي، الى جانب كتائب أمن سِرِية ، وما تسمى بالقوات الصديقة التي تتكون غالباً من أبناء جنوب السودان، وفيما بعد نشأت حركات مسلحة (شهامة1 ، وشهامة 2) ولاحقاً احتوتها الحكومة ووقعت معها اتفاقيات وحولتها إلى قوات حليفة تأتمر بأمر الاستخبارات العسكرية، وبعد اندلاع الحرب انتمى أفراد تلك الكتائب والحركات لقوات الدعم السريع، وعُرفت بالقوات المساندة لقوات الدعم السريع، واشتهروا محليا بإسم (الشفشافة أو أم باغة) ومارست هذه القوات تحت هذا الإسم سرقات وعلمليات نهب واسع النطاق.
وفي إطار بحث فريق التحقيق عن المسؤل عن تدمير حقول البترول، قال رئيس التحالف الديمقراطي للمحاميين بولاية غرب كردفان المحامي محمد بخيت أن حكومة الإنقاذ أنشأت قوات متعددة وبمهام متعددة، تم تدريبها على الاغارة والنهب تحت شعار (الميت شهيد والحي يستفيد) وتم ذلك وفق رؤية خاطئة لمفهوم الغنائم، وأضاف بخيت : إن أخطر مافي هذه القوات هي القوات سِرية التكوين والمهام، والتي تتبع إلى شعبة أمن القبائل بجهاز الأمن والمخابرات، وبحسب ما أفاد بخيت فإن هذه الشعبة كانت تمتهن اللعب على التناقضات القبلية والتقاطعات العشائرية وتوظيفها لمصادمة القبائل ومن ثم اتخاذ (مباعدة القبيلتين المحتربتين) لإخلاء مساحات التنقيب وبالتالي حفريات النفط ، وفي عهد الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك تحوَّرت كثير من القوات وأفراد تلك الكتائب إلى تنظيمات مطلبية غرضها أساساً تعطيل وتخريب حقول النفط ، بأمر من الاستخبارات العسكرية لعرقلة الفترة الانتقالية، وأضاف بخيت قائلاً: (الجهة التي قامت بتخريب حقول النفط وصولاً لتدميرها بهذا الشكل هي بقايا مليشيات الحكومة السابقة بدوافع النهب وربما بأمرٍ من عناصر حكومة الانقاذ ).
وفي ذات المنحى قال خبير عسكري فضل حجب اسمه لفريق التحقيق أن محاولات تعطيل حقول النفط بدأت قبل الحرب في فترة حكومة عبدالله حمدوك، وكان افراد الدفاع الشعبي والأمن الشعبي من أبناء المنطقة هم من نادوا بذلك بحجة هضم الحقوق والظلم الواقع عليهم حسب دعاويهم وأضاف (لكن بعضهم كانوا يتلقون الأوامر من الاستخبارات أو من الجيش) فيما أكد العمدة حمد السيد عبدالجليل ان عناصر حكومة الانقاذ ما زالوا يدينون بالولاء للجيش وان التخريب دائما ما يأتي بعد دخول قوات الدعم السريع وانسحابها كما حصل في (بليلة والفولة وبابنوسة وغيرها من المناطق) وأكد العمدة حمد السيد ان المسؤول الأول عن تخريب ونهب حقول البترول والشركات وحرق الاسواق بولاية عرب كردفان هي الكتائب التي تتبع للاسلاميين.
وفي ذات السياق أكد محمد عبدالرحمن، وهو موظف بشركة (تو بي) ان النهب والتدمير لحقول النفط دوافعه الاسياسية هي تدمير البنية التحية للحقول والشركات ولا شيئ غير ذلك، وأفاد عبدالرحمن أنه أثناء الهجوم على مطار بليلة صدرت لهم توجيهات بعدم الخروج من السكنات وإلتزامهم بالبقاء في أماكنهم، إلا ان مدير جهاز الأمن بالشركة (حامد مكي) أمرهم بالانسحاب من الشركة عقب انتهاء معركة المطار ومغادرة قوات الدعم السريع وأضاف عبدالرحمن قائلاً (انسحبنا وتركنا مدير الأمن وطاقمه داخل المقر) وبعد انسحابنا بساعة واحدة إجتاحت عصابات الدراجات النارية (المواتر ) مقر الشركة وعاثت فيها تخريباً ونهباً، وقال عبدالرحمن أن هذا الأمر جعله يتأكد من أن أفراد الأمن ومديرهم كانوا على صلة بتلك العصابات التي إقتحمت مقر الشركة، فيما أكدت الاستاذة ريان جمعة محمد غبوش مديرة مركز الخرطوم الدولي لحقوق الانسان بغرب كردفان ان العصابات غير المنظمة التي دمرت حقول البترول ليست ببعيدة عن كتائب على عثمان محمد طه، وقالت ريان ان التخريب لم يقف في حقول البترول فحسب، وإنما طال الجامعات والمدارس والمستشفيات وابراج شركات الاتصالات .
تجمع العاملين بالنفط على الخط:
تجمع العاملين بقطاع النفط، هو جسم مهني يعبر عن قطاع عريض من العاملين بقطاع النفط، طالب التجمع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بالابتعاد عن تدمير المنشات النفطية لخطورتها على السودان والعاملين في النفط، وكشف البيان الصادر على صفحة التجمع على الفيسبوك بتاريخ 15 - مايو - 2023م عن تعرض مبني وزارة الطاقة والنفط في الخرطوم ومباني شركة سودابت لعمليات تخريب بعد اقتحامها بواسطة قوات تابعة للدعم السريع، فيما تعرضت شركة النيل للبترول لقذيقة أحدثت خسائر بالغة بمباني الشركة بحسب ما ذكر البيان، وأشار البيان إلى أن قوات الدعم السريع قامت بالسيطرة على بعض محطات الضخ التي تتبع لشركة بتروانرجي وقامت بتهديد العاملين، وأكد ان الحرب ستفقد السودان موارده الاستراتيجية، وطالب تجمع العاملين بقطاع النفط قيادات القوات المسلحة بالتعامل بقدر كافي من المسؤولية والحفاظ على البنية التحتية للبلاد ومراعاة حساسية المنشات النفطية على البيئة والانسان، وقال التجمع وفقا لبيان على صفحته الرسمية بتاريخ 24- مايو - 2024م ان مصفاة الخرطوم لم يتم تدميرها بالكامل، وما حدث من استهدف بالطيران كان على خط ديزل وخزان المخزون الاستراتيجي ، وأكد التجمع ان المصفاة متوقفة عن العمل منذ منتصف شهر يوليو 2023م.
تحذير من الأجندة العسكرية والسياسية:
وحذر تجمع العاملين بقطاع النفط من اقحام المؤسسات النفطية في العلميات العسكرية والسياسية، وقال التجمع في بيان صادر عنه بتاريخ 2 - نوفمبر - 2023م ان المخاطر التي تترتب على اقحام المؤسسات يعرضها للفقدان الدائم للمنشات النفطية والخط الناقل للخام مع المصفاة والخط الذي يربط بين بليلة وخط أنابيب شركة بابكو في منطقة (أم عدارة) علاوة على توقف الانتاج اليومي لخام بليلة وشارف وتوقف مصفاة الخرطوم الذي يتعامل مع هذا الخام، وكشف التجمع عن فقدان العديد لوظائفهم ومصادر دخلهم وتوقف الخدمات العلاجية والاجتماعية للمنطقة، بالاضافة لفقدان ولاية غرب كردفان لنصيبها من عائدات النفط، ونبه البيان الى الاضرار التى تترتب على الاستثمار ومطالبات الشركاء الاجانب بالتعويض عن الخسائر حسب نص اتفافية الشراكة في الانتاج، وأشار البيان إلى تسرب الكوادر السودانية للعمل في الخارج بالاضافة الى الاضرار البيئية، وطالب بضرورة حماية المنشات النفطية وتشغيلها والسماح للعاملين بها بالعمل والصيانة، وحمل تجمع العاملين بقطاع النفط مسوؤلية خسارة هذه المنشآت وخطوط الأنابيب الناقلة للمتسببين في هذه الكارثة، مبينا انها مكتسبات الشعب السوداني، مؤكدا أن هذه الحقول وهذه البنية التحتية لقطاع النفط هي ممتلكات الشعب السوداني قاطبة وليست لفصيل بعينه أو حكومة بذاتها، موضحا انه في عموم الحروب وحتى الدول الغازية لا تُدمر منشآت النفط ولا يتم العبث بها من قِبل الغزاة فكيف يكون الواقع الذي يدمر فيه أبناء ذات الوطن.
أهمية حقول بترونرجي وشارف:
وكشف التجمع عن حقيقة مفادها أن حقول شركة بترونرجي وشركة شارف الواقعة في ولاية غرب كردفان من مواقع الانتاج النفطي ذات الاهمية الاستراتيجية لارتباطها المباشر بمصفاة الجيلي، موضحا أن هذه الحقول توفر عبر خط أنابيب الخام الثقيل طوله (720) كلم الخام اللازم لتشغيل مصفاة الخرطوم لانتاج البنزين والجازولين وغازالطبخ لتغطية جزء كبير من احتياجات الشعب السوداني، كما لديها خط أنابيب للخام الخفيف يربط بين حقل بليلة والخط الرئيسي التابع لشركة بابكو والذي يُصدر عبره النفط المنتج في حقل شركة (تو بي أوبكو) وجزء من حقول دولة جنوب السودان، وأفاد التجمع بأن تكلفة انتاج الخط الناقل من حقل بليلة الى مصفاة الجيلي تقدر بمئات الملايين من الدولارات وهو مملوك بنسبة 100٪ للشعب السوداني ويعتبر من أقيم الأصول الثابتة، وأدان تجمع العاملين بقطاع النفط تواصل اعتداء الدعم السريع على محطة الضخ الرابعةPS 4) ) التابعة لشركة بابكو بمنطقة العيلفون والتي تعمل على تصدير نفط الجنوب عبر ميناء بشائر (2) وقال التجمع وفقا لبيان صادر عنه بتاريخ 8 - أكتوبر - 2023م ان قوات الدعم السريع اقتحمت المحطة وأوقفت العمل وقامت باجبار العاملين باخلائها ، وتعرضت أجهزة وخطوط غرفة التحكم الموزعة لشركة الوقود لحريق نتيجة لقصف موجه بحسب التجمع، وفي ذات السياق قال التجمع في بيان صادر عنه بتاريخ 6 - ديسمبر - 2024م ان العاملين بمصفاة الخرطوم تمكنوا من إخماد الحريق، وقال التجمع ان تدمير الموارد لن يترك وطنا لديه موارد.
حقل الراوات النفطي:
يقع حقل الراوات النفطي بمربع (25) جنوب مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، وتعمل شركة (الراوات) ضمن كنسورتيوم يتكون من شركة (سودابت) بنسبة 70% و(اكسبريس) النيجيرية بنسبة 15% و(منسانا) النيجيرية بنسبة 15%. وفي نوفمبر من العام ٢٠٢٠م وتزامنا مع انطلاق العمل في حقل الراوات النفطي أعلن المهندس أيمن أبو الجوخ المدير العام لشركة البترول الوطنية السودانية (سودابت) إن السودان سيضيف ثلاثة آلاف برميل يوميا لإنتاجه النفطي من حقل الراوات مما يرفع إنتاج البلاد إلى (64) ألف برميل يوميا، ويحاول السودان زيادة إنتاج النفط لخفض واردات الوقود المكلفة بعد ان خسر 73 بالمئة من الإنتاج بعد انفصال جنوب السودان في 2011. وذكر أبو الجوخ وقتها إن حقل الراوات في ولاية النيل الأبيض سيبدأ العمل بسبع آبار، وان السودان سيضيف (20) ألف برميل يوميا في العام 2021م إذا وافقت وزارة المالية على أموال للتنقيب، إضافة لجذب استثمارات من شركات غربية بعدما أكدت الولايات المتحدة أنها سترفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو ما كان يعرقل التمويل الدولي والإعفاء من الديون، وفي الثاني من ديسمبر من العام 2020م شهد وزير الطاقة والتعدين المكلف انذاك المهندس خيري عبد الرحمن إنطلاقة العمل في حقل الراوات، وبدأ الإنتاج النفطي بمربع (25) بحقل الراوات في مرحلته الأولى بطاقة يومية (440) برميل والتي تمثل البئر الأولى من الحقل الذي يضم سبع آبار لتحقق إنتاجاً يومياً يفوق (3) الاف برميل في اليوم عقب دخول جميع هذه الآبار دائرة الإنتاج القومي .
عقبات وتحديات إنتاج الراوات:
وتواجه حقل الراوات عقبات وتحديات عديدة في مجال الإنتاج النفطي، وفي السياق يقول مهندس بترول فضل حجب اسمه ان الحقل به (11) بئر والتي تعمل منها (٦) ابار فقط وطاقة الحقل الانتاجية قبل حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٢م كانت تتراوح مابين (٢٢٠٠ برميل الى ٢٨٠٠ برميل في اليوم) حسب الحوجة لان انتاج خام حقل الراوات يباع للشركات: (مصنع اسمنت عطبره بولاية نهر النيل، ومصنع سكر النيل الابيض بولاية النيل الابيض، ومصفاة الابيض بولاية شمال كردفان، ومحطة أم دباكر للكهرباء بالنيل الابيض بعد أن تتم معالجة الخام في مصفاة الابيض) ويوفر الحقل لتلك الجهات الخام حسب الطلب، وبحسب المهندس فإن من أكبر المشاكل التي تواجه حقل الراوات منذ بداية العمل به هي نقل الخام عن طريق عربات شحن مخصصة للخام لعدم وجود خط أنابيب لنقل الخام عبر الخطوط الموجودة في النيل الابيض، والتي تمر بمحلية الجبلين لنقل خام دولة جنوب السودان بالرغم من ان حل هذه المعضلة كان أحد الخطط المستقبلية للحقل الا انها لم تنفذ وظلت هذه هي أحد كبرى العقبات التي تواجه الحقل، وأرجع ذات المصدر الاسباب للظروف السياسة والتغيرات التي مرت بها البلاد ابتداء من ثورة ديسمبر، ومرور بالحرب الدائرة في البلاد الان، بحانب الاسباب الاقتصادية المتمثلة في عدم توفر دعم سواء كان من حكومة السودان أو جلب مستثمر أجنبي يحدث نقله في الحقل، وتفيد متابعات فريق التحقيق ان حقل الراوات متوقف عن العمل منذ بدء الحرب الدائرة في السودان بالرغم من ان منطقة الراوات لاتقع في منطقة نزاع، ولكن المعضلة الرئيسية هي ان كل الشركات التي ينقل لها بترول الراوات تقع في مناطق اشتباك ومتوقفة عن العمل باستثناء محطة أم دبابكر لتوليد الكهرباء بمدينة ربك.
تأثيرات الراوات على الطاقة:
وأثرت الحرب التي تشهدها البلاد حاليا على توقف حقل الراوات التفطي وخط نقل بترول دولة جنوب السودان وعلي محطة (أم دباكر) الحرارية للكهرباء بحاضرة ولاية النيل الابيض مدينة (ربك) والتي تغذى جميع مدن الولاية بالكهرباء، إضافة إلى ولاية شمال كردفان، وتفيد متابعات فريق التحقيق أن المحطة تضررت كثيرا من التدهور الذي أصاب قطاع النفط في السودان بعد حرب 15 أبريل اذ انها كانت تستفيد من (الفيرنس) الذي تعمل به المحطة والذي يأتيها من حقل الراوات النفطي بمحلية السلام، أو من النسبه التي كانت تأخذها من حصة السودان التي تأتي عبر الخط الناقل لبترول دولة الجنوب وكليهما توقفا بعد الحرب، بجانب ما تعانيه الولاية من موقعها الذي تحيط به ثلاث ولايات يسيطر عليها الدعم السريع، وأصبح ليست هنالك خيار الا ان يتم استيراد الفيرنس من دولة جنوب السودان محمولا على عربات نقل وحتي هذا الخيار لم يصمد طويلا لان هنالك بعض المناوشات بين قوات الدعم السريع والجيش في اتجاه جنوب ولاية النيل الابيض مما تسبب في وقف الوارد من الجنوب وأصبحت المحطة تعمل فقط بالمخذون الاحتياطي لديها.
وأفاد المهندس بمحطة (أم دباكر) أحمد عثمان أحمد بأن المخذون لن يكفي لأكثر من (٦) أشهر مؤكدا ان المحطة تعتمد على الفيرنس بنسبة ١٠٠% عند التوليد وأضاف (أما بداية تشغيل ماكينات المحطة فيكون بالجاز لمدة ساعتين ومن ثم تستمر بالفيرنس) وأوضح أحمد أن التوليد الحراري لايدخل المحطة الخدمة الا بوجود خط (220) واط مستقر لكي يبدأ التشغيل، مؤكدا ان الخط المثالي هو خط مروي لكن به عطل في منطقة سيطرة الدعم السريع شمال منطقة (الاعوج) وبالتالي تم قفله، أما خط الروصيرص الذي يأتي عن طريق الرنك به أعطال في منطقة تقع تحت سيطرة الدعم السريع لذا حاليا المحطة تعمل بخط (110) واط من سنار باعتباره يأتي من الروصيرص ثم سنجة ثم أم دباكر، وختم المهندس أحمد عثمان حديثة بالتأكيد على ان الخام أساسي لعمل محطة أم دباكر، لذا هنالك تأثر مباشر من انهيار قطاع النفط ويظهر ذلك جليا في عدم استقرار التيار الكهربائي بكل من ولايتي النيل الابيض الذي يستمر أحيانا الى أيام، وكذلك ولاية شمال كردفان التي انقطع فيها التيار الكهربائي لشهور.
تأثير الحرب على قطاع النفط :
وأكد وزير الطاقة والنفط د.محي الدين نعيم محمد سعيد في تصريحات صحفية أن الحرب استهدفت قطاع النفط السوداني في جسم المنشآت النفطية مما أدى لتدمير الكثير منها؛ بالإضافة الي فقدان كميات من الخام والمنتجات البترولية المحفوظة في المستودعات الاستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم، فضلاً عن التخريب والتلف المتعمد في الحقول وسرقة الكوابل الخاصة بالآبار والمعسكرات وسكن العاملين والمخازن الخاصة بـ الاسبيرات وتخريب حتى مباني رئاسة الوزارة ، وقال وزير الطاقة والنفط محي الدين محمد سعيد، لوكالة الأنباء السودانية الرسمية، في وقت سابق، إن إعادة تأهيل قطاع النفط الذي جرى تدميره خلال الحرب يكلف 5 مليارات دولار، مشيرا إلى تدني الإنتاج النفطي طوال هذه الفترة، ما أدى إلى فقدان حوالي 7 ملايين برميل نفط حُرمت البلاد من إنتاجها بسبب الحرب، وأوضح الوزير أن الأضرار في قطاع النفط شملت المنشآت النفطية ومحطات الكهرباء، وفقدان الخام النفطي والمشتقات النفطية في المستودعات الإستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم.
تدهور وانهيار اقتصادي:
وبالنسبة للأثار الاقتصادية الناتجة عن تدهور الصناعة النفطية في السودان قال الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي إن إعادة تأهيل قطاع النفط الذي جرى تدميره خلال الحرب يكلف (5) مليارات دولار، مع توقف الإنتاج النفطي طوال هذه الفترة، ما أدى إلى فقدان حوالي (7) ملايين برميل نفط حرمت البلاد من إنتاجها بسبب الحرب، بجانب ان السودان كان يحصل على رسوم مقابل نقل نفط جنوب السودان (170 ألف برميل يوميا) عبر خط الأنابيب السوداني إلى ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر، وإتهم هيثم قوات الدعم السريع بتدمير الروابط اللوجستية وأنابيب النقل بين حقول النفط في جنوب السودان والميناء، فضلا عن سيطرتها على منطقة العيلفون في شرق الخرطوم والتي توجد بها إحدى محطات ضخ نفط الجنوب، مما أدى إلى توقف الضخ، وأثرت على اقتصاد ومصالح السودان ودولة الجنوب، والتي ضاعفت من تداعيات النزاعات داخلها، ما أدى إلى تراجع صادرات جوبا من النفط إلى (150) ألف برميل يوميا من (350) ألف برميل قبل ذلك، كما تأثرت عائدات السودان البالغة نحو (300) مليون دولار سنويا، ويعتبر خط تصدير النفط المتضرر الأطول في أفريقيا، حيث بلغت تكلفة إنشاؤه نحو (1.8) مليار دولار، وهناك مخاطر تعرض خطوط نقل النفط المتبقية للتلف، مما يعيق اتفاق نقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير والذي تحكمه اتفاقيات دولية.
وكشف الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي عن تعرض الاقتصاد بسبب الحرب لاستهداف وتدمير طال البنى التحتية، بما في ذلك مصفاة الجيلي الرئيسية التي كانت تنتج نحو (100) ألف برميل يوميا، مشيرا الى أن دولة جنوب السودان تمتلك ثالث أكبر احتياطيات نفطية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، لكنها تعتمد على السودان الذي انفصلت عنه في عام 2011 لبيع نفطها عبر شبكة خطوط الأنابيب ومصافي التكرير والموانئ، وأكد فتحي أن قطاع النفط يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد السوداني، حيث يعتبر مصدر الدخل الأساسي للبلاد، نظراً لامتلاكها موانئ عدة على البحر الأحمر، وهو ما يسهّل عمليات التصدير إلى الخارج، ويُنتج السودان نحو (60) ألف برميل نفط يومياً، بعد انفصال جنوب السودان، وحيازة الدولة الجديدة نحو ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي، وتمتد تداعيات الحرب إلى دول خارجية، مثل الصين التي تأثرت وارداتها من النفط السوداني والجنوبي، حيث كانت تستورد نحو 66% من صادرات نفط جوبا، بحسب ما أفاد الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي.
تأثير قطاع النفط على الإقتصاد:
ويؤثر قطاع النفط والغاز بشكل ملحوظ على اقتصاد وسياسة وهُوية الوضع الإنساني والاستقرار الاجتماعي في المنطقة، لا سيما في المناطق التي تشهد صراعات جيوسياسية مثل السودان، وأظهرت دراسة تحصل عليها فريق التحقيق عن تأثير الحرب على قطاع النفط في دولتي السودان وجنوب السودان، أظهرت انخفاضًا كبيرًا في إنتاج النفط والنقل بسبب إغلاق حقول النفط الرئيسية وخطوط الأنابيب، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، تسببت الأضرار التي لحقت ببنية النفط الأساسية في مخاطر بيئية خطيرة، مما يسلط الضوء على التوازن الدقيق بين إدارة الموارد والاستقرار الإقليمي، وأكدت نتائج الدراسة على التأثير الشديد للحرب على قطاع الطاقة والنفط في السودان وجنوب السودان، والحاجة الملحة إلى توصيات سياسية للتخفيف من هذه الآثار وتعزيز التنمية المستدامة.
وفي ذات السياق قال وزير الطاقة والنفط محي الدين النعيم إن خسائر قطاع البترول في السودان بلغت (18) مليار دولار، وكشف عن حقيقة مفادها أن السودان يصدر حوالي (21) الف برميل يوميا الآن، فيما بلغت نسبة التصدير في مارس 2023م (38) الف برميل يوميا و(44)الف برميل في شهر يناير 2023م وأكد على استمرار التعاون مع الصين في كافة الصناعة النفطية موضحا حاجة البلاد إلى دخول شركات صينية لاعادة تأهيل مادمرته الحرب في مصفاة الخرطوم وخطوط الانابيب ومستودعات التخزين وقال إن الصين والشركات الصينية أكدت على الدخول في استثمارات في السودان بالإضافة لتقديم خدمات فنية وتكنولوجيا وأوضح جاهزية الخط الناقل للخام من جنوب السودان لنقل الخام المصنع في مربعات 3,7 للصادر والتي من بينها نصيب الصين والسودان .
التأثير الاقتصادي على البلدين:
وأكد الخبير الاقتصادي صدقي كبلو أن الحرب والاقتصاد نقيضان، لذا لايوجد نمو أو تبادل إقتصادي كما قبل الحرب، مشيرا إلى ان ما لحق بإنتاج البترول في السودان أضرار ضخمة لانها تقع في مناطق الحرب، وبالتالي توقف انتاجها واثر ذلك على عدم توفر نفط محلي للمصفاة، الى جانب توقف المصفاة لانها ايضا أصبحت منطقة نزاع وتعطل العمل بها، وهذا اثر على مد السودان وجنوب السودان بالمنتجات النفطية من مصفاة الخرطوم، وبالنسبة للدولتين فهذا عبء صخم على موازينها التجارية وعلى فاتورة استيرادها وبالتالي يمثل ضغطا على جنيهي البلدين وتدهور سعر صرفهما، وأضاف قائلا: (اذا أضفنا الى ذلك ما حدث من منع تصدير بترول الجنوب لسيطرة قوات الدعم السريع على بعض المناطق التي يمر بها خط الانابيب) الأمر الذي اعتبره حرم حكومة الجنوب من عائدات البترول وحرم السودان من عائدات نفط البترول الجنوبي الذي يمر عبر اراضي سودانية وتصديره عبر ميناء بشائر السوداني.
وبالنسبة لكبلو فإن ذلك يعني عجز للدولتين وضغط كبيرعلى ميزان المدفوعات وعلى جنيهي البلدين وسعر الصرف، بل انه يلحق ضرر على ايراد الحكومتين، وبالتالي يؤدي لزيادة العجز في ميزانية الدولتين ويؤدي لارتفاع الضرائب المباشرة وغير المباشرة والاستدانة من البنك المركزي وزيادة الكتلة النقدية، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم وتوليد دائرة مفرغة من التضخم وتدهور سعر الصرف للعملتين ثم تساءل عن ان هناك اخبار عن اتفاق بين البلدين لاستعادة التصدير عبر خط الانابيب، وقال: (ولا ندري كيف يحدث ذلك؟ فهل عقدت حكومة الجنوب اتفاق مع الدعم السريع؟ وتابع: إذا حدث ذلك فانه سيصلح من حال النقد الاجنبي لدى الحكومتين).