تحقيق لإحدى المنظمات المحلية يكشف التلاعب بالمساعدات الإنسانية من قبل طرفي النزاع في السودان
استولت بعض عناصر القوات المسلحة السودانية على حوالي 50 خيمة
حبل سري: كيف تغذي المساعدات الإنسانية الدولية الحرب في السودان
استولت بعض عناصر القوات المسلحة السودانية على حوالي 50 خيمة
مرصد حرب السودان : تحقيقات
"لم نوقد النار في مطبخنا الصغير بفناء المعسكر منذ شهور طويلة، لأننا لا نستطيع شراء الطعام"؛ هكذا تقول النازحة ح. م. آ، الأم ذات الثلاثين عاماً وهي تنتظم صفاً طويلاً في معسكر زمزم للنازحين على أطراف مدينة الفاشر ـــ شمال دارفور؛ منتظرة دورها للحصول على نصيب من وجبة العدس، وهي تحاول يائسة تهدئة طفلها الرضيع بين يديها. وتروي أنهم لجأوا للمعسكر على أمل حصولهم على كل يحتاجون، إلا أن آمالهم ذهبت في مهب الريح؛"أنا وأطفالي ننتظر وجبة العدس بشكل يومي، ونحصل عليها مرة واحدة فقط، ولا نحصل على شئ غيره حتى أصيب أطفالي بسوء التغذية"
تشبه قصة النازحة ح. م. آ حال الآلاف من النازحات والنازحين بفعل الحرب الدائرة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ورغم المساعدات الكبيرة من قبل المنظمات والهيئات الدولية؛ إلا أنها لا تصل لمستحقيها بسبب تدخل أطراف الحرب.
********
جرت العادة أن تتصدر الجيوش عمليات التصدى للأزمات والكوارث دون الجهات الأخرى في الكثير من بلدان العالم. إلا أنها في السودان تتمادى لاستئثار التمسك بالسلطة وامتهان السياسة ما أسفر عن العديد من المشكلات بالبلاد؛ وجراء ذلك، فإنها تتغول على العمل المدني. فبمجرد إندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023م، طفت على السطح لجنة بمسمى (اللجنة المشتركة العليا للطوارئ الإنسانية) ذات الطابع العسكري بدليل أن رئيسها الفريق/ إبراهيم جابر، وعضوية وزارة الدفاع والمخابرات العامة. شكل ذلك فيما بعد، مدخلاً لتدخل القوات المسلحة في إدارة المعونات الإنسانية التي وصلت البلاد من عدة دول عربية وغير عربية علاوة على المنظمات الدولية وعلى رأسها المنظمات الأممية.
الأمر الطبيعي هو أن تتولى مفوضية العون الإنساني القومية أو الولائية عمليات إستلام المعونات وإدارة توزيعها وفق خطة موضوعة لذلك. إلا أن وجود اللجنة المذكورة آنفاً و بالصفة العسكرية لرئيسها، قلل من فاعلية المفوضية ووزارة الرعاية الاجتماعية. وعليه شهدنا عدة تدخلات من قبل قادة عسكريين في توزيع المعونات الإنسانية في مناطق متفرقة بالسودان؛ ما فتح الباب على مصراعيه لشبهات الفساد والتلاعب بالمساعدات الإنسانية.
وهنا تجدر الإشارة، أن جملة المعونات التي وصلت السودان (وفق ما رصدناه) تزيد عن ربع المليون طن متري من مواد الإغاثة عبر مطار وميناء بورتسودان ومعبر أدري الحدودي مع دولة تشاد. وبمجرد بدء تدفق المساعدات الإنسانية من الخارج، رشحت إدعاءات بالوسائط الإعلامية مفادها، نوايا الحكومة في التصرف وبيع المساعدات الإنسانية لأغراض تسيير دولاب الدولة؛ إلا أن الدكتور/ جبريل إبراهيم، وزير المالية نفى ذلك الأمر. بالرغم من الجهود الدولية الكبيرة المبذولة في سبيل توصيل المساعدات الإنسانية، نجد أن أطراف الحرب في السودان، لم تدخر جهداً لعرقلتها أو التلاعب بها.
تتنافس أطراف الحرب في السودان في مضمار المساعدات الإنسانية، بالسعي للوصول إلى الجهات الدولية المانحة وعرض الشرعية في مناطق سيطرة كل منهما لاستلام المساعدات الإنسانية (قوات الدعم السريع). إذ تسيطر القوات المسلحة على الإغاثة القادمة عبر مطار وميناء بورتسودان شرقي السودان، بجانب المعبر مع جمهورية مصر، فيما تتحكم قوات الدعم السريع على معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد الذي تتدفق منه المساعدات الإنسانية المقدمة من وكالات الأمم المتحدة. أما القوات المشتركة الموالية للقوات المسلحة، وتحديداً حركة تحرير السودان (مناوي)، لم تتأخر في دخول حلبة التنافس على المساعدات الإنسانية، بوضع مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور ــــ التي تشهد عمليات عسكرية طاحنة ـــ تحت إدارتها بالكامل، فيما يتعلق بالقطاع الإنساني.
كان الغرض من هذا التحقيق، هو التقصي حول فرضية ما إذا كانت المساعدات الانسانية عاملاً مغذياً لاستمرار الحرب؟ سواء أن كان بالتلاعب أو التصرف فيها لأغراض تمويل الحرب أو شراء الذمم للتأييد، وربما استخدامها كسلاح لتجويع المدنيين غير الموالين لأي من الأطراف في الحرب.
اعتمد في الأساس هذا التحقيق على المعلومات من المصادر المفتوحة والمقابلات مع المصادر الميدانية عبر الهاتف، بالإضافة للمسؤولين الحكوميين، المنظمات الدولية والأممية وقيادات من قوات الدعم السريع. ولقد واجهت التحقيق بعض التحديات المتمثلة في عدم تعاون المسؤولين الحكوميين والمنظمات الدولية بما فيها الاممية بعدم الرد والتجاوب مع مسار التحقيق؛ علاوة على تحديات أخرى نتحفظ على ذكرها.
التحكم بالمساعدات
في سبيل تحكم أطراف الحرب بالمساعدات الإنسانية، عمدوا على إتخاذ بعض الإجراءات التي تمكنهم من بسط سيطرتهم عليها. فكانت اللجنة العليا للطوارئ الانسانية التي يترأسها مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق/ ابراهيم جابر، وتمثيل صوري لمفوضية العون الإنساني في شخصية المفوض العام للمفوضية العامة للعون الإنساني الإتحادية، سلوى آدم بنية، القيادية بالحركة الشعبية لتحرير السودان (مالك عقار). وأحكمت الحكومة سيطرتها عبر قرار وزير شؤون مجلس الوزراء بالرقم 364 لسنة 2023م، الذي حول تبعية مفوضيات العون الإنساني الولائية من سلطة الولايات إلى المفوضية الاتحادية؛ وبذلك أصبحت المفوضيات الولائية جزء من اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية بحكم تبعيتها للمفوضية الإتحادية.
صورة من قرار مجلس الوزراء بتبعية مفوضيات العون الإنساني الولائية للمفوضية العامة للعون الإنساني
وقد رصد فريق التحقيق اتهامات مفادها ضلوع مؤسسات ونافذين بالحكومة في عمليات التلاعب الذي طال العمل الإنساني خلال فترة الحرب. وللوقوف على حقيقة هذا التلاعب، قام فريق التحقيق بالتواصل مع وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة - خالد الاعيسر، المفوض العام للعون الإنساني - سلوى آدم بنية والناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد الركن/ نبيل عبدالله؛ إلا أن جميعهم لم يجيبوا على اتصالات فريق التحقيق. لكن تمكن الفريق من التواصل مع المفوض السابق لمفوضية العون الإنساني، د. نجم الدين موسى، باعتبار مسؤوليته قبل إقالته من منصبه. نفى المفوض السابق، تسرب مواد الإغاثة إلى الأسواق إبان فترته. وذكر أن المساعدات الإنسانية يتم توزيعها بشكل راتب ومنتظم من قبل وكالات الأمم المتحدة، كبرنامج الغذاء العالمي، واليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وفي إشارة واضحة إلى ضلوع القوات المسلحة في إستلام وإدارة توزيع المساعدات الإنسانية، ما يعضد مزاعم تغول القوات المسلحة على عمل مفوضية العون الإنساني؛ يقول موسى: "هناك مساعدات إنسانية تقدمها بعض الدول مباشرة لحكومة السودان، وفي السابق تقوم مفوضية العون الإنساني الاتحادية باستلامها ولكن حالياً من يقوم بعملية الاستلام والتخزين والترحيل والتوزيع اللجنة العليا للطوارئ الانسانية بدلاً عن المفوضية".
وفي تصريح لـفريق التحقيق، نفى المتحدث باسم وزارة التنمية الاجتماعية، محمد يوسف، المشهور (بدباب)، ضلوع الوزارة في عملية توزيع المساعدات الإنسانية أو استلامها أو تمريرها إلى جهات غير مستحقة. مشيراً أن مفوضية العون الإنساني وهي الهيئة الحكومية المعنية بالعمليات الإنسانية في السودان، أصبحت تتبع لمجلس الوزراء. وعلى الرغم من نفى يوسف ضلوع الوزارة في استلام المعونات؛ إلا إن وزير التنمية الاجتماعية، أحمد آدم بخيت، استقبل مساعدات من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2023، مما يضع استفهامات حول مصير المساعدات التي استقبلها الوزير.
وحزت قوات الدعم السريع حزو حكومة السودان، أن قامت بإنشاء الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية كبديل لمفوضية العون الإنساني بحسب ما ذكره الوكيل الاقليمي للوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية د. عبدالحميد عثمان صالح، أن الوكالة تعد بديلاً رسمياً لمفوضية العمل الطوعي والإنساني في نطاق سيطرة قوات الدعم السريع. وتشترط على المنظمات الإنسانية التسجيل لديها لممارسة أنشطتها واستخراج تصاريح سفر تسمح بحركة مركباتها في مناطق سيطرة الدعم السريع.
وفي ذات السياق، أفاد مصدر يعمل في مجال العون الإنساني من مدينة زالنجي بوسط دارفور، أن قوات الدعم السريع تتحكم في الإغاثة بالولاية؛ عبر لجان مشكلة من عسكريين ورجال بالإدارة الأهلية، لاستلام الإغاثة من المنظمات الإنسانية. وأوضح أن قادة محليين من الدعم السريع يأخذون نصيباً من الإغاثة قبل توزيعها على المواطنين ويرسلون بعضها إلى معسكرات المستنفرين في مدينة زالنجي.
ومن جهته نفى مدير الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية، بولاية غرب دارفور، ضوالبيت آدم يعقوب، مزاعم تورط قوات الدعم السريع في نهب المساعدات الإنسانية والتحكم في توزيعها؛ مبيناً أن الوكالة تحرص على إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل الشعب السوداني دون تمييز؛ وذلك عبر معبر أدري الحدودي.
واجهات إدارة العمل الإنساني
عقب اندلاع القتال في ولاية شمال دارفور، بدأت المنظمات الدولية في العمل على إدخال المساعدات الإنسانية، وبالتالي تم إنشاء شبكة الإغاثة والتنمية بالولاية في أبريل 2024م، الغرض منها تنسيق توزيع الإغاثة في الولاية وتضم أكثر من 75 منظمة وطنية.
وبتتبع نشاط تلك المنظمات وضح أن عدد ستة منها هي الأكثر نشاطاً في توزيع المساعدات الإنسانية بشمال دارفور. ويظهر أن لقيادات تلك المنظمات، ارتباطات سياسية وربما إثنية بالحركات المسلحة المكونة للقوة المشتركة المتحالفة مع القوات المسلحة. إذ تدير السيدة/ عائشة إبراهيم، عضو المكتب القانوني لحركة تحرير السودان (مناوي)، منظمة الميرم للإسناد وتنمية المرأة، بينما يدير السيد/ رحمة محمدين، عضو حركة جيش تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي قيادة صلاح رصاص، منظمة الثقة الإنسانية العالمية، كما يدير مفوضية حقوق الإنسان بشمال دارفور منذ العام 2022م.
الصور من الصفحة الشخصية لـ عائشة إبراهيم
لاحظ فريق التحقيق أثناء التقصي، أن منظمة الثقة كانت قليلة النشاط إبان فترة ما قبل الحرب، ولكن كثُر نشاطها عقب اندلاع الحرب، حيث ظهرت حركته على صفحتها بـ (الفيسبوك)، خاصة عندما قامت بتوزيع 12 ألف سلة غذائية بمخيم زمزم للنازحين مطلع العام 2024م بدعم من المجلس النرويجي للاجئين بلغ جملته 686,150 دولاراً أمريكياً بالتقريب.
ومن ضمن المنظمات الستة الأكثر نشاطاً بشمال دارفور، منظمة المندولة للسلام والتنمية الاجتماعية، التي يديرها إدريس حامد مناوي، العضو النشط بحركة جيش تحرير السودان وإبن أخ زعيمها مني أركو مناوي؛ إلى جانب منظمة النورس الخيرية التي يديرها الدكتور/ صلاح الدين أبو بكر عامر، العضو في حركة جيش تحرير السودان (مناوي) وهو أيضاً رئيس تحالف منظمات المجتمع والكيانات المدنية، وكذلك شبكة الإغاثة والتنمية.
وأوضح الدكتور/ صلاح الدين أبو بكر عامر، أن الشبكة تضم أكثر من 150 منظمة وطنية على امتداد الإقليم، ويمثل المجلس النرويجي للاجئين أهم شركاء الشبكة، مؤكداً تلقيهم دعماً مالياً لتوزيع السلال الغذائية ودعم المطابخ الجماعية بمراكز الإيواء بالإقليم؛ حيث قاموا بتوزيع ما يقارب الـ 3000 سلة غذائية بمعسكر زمزم للنازحين.
من خلال التقصي وضحت تداخلات وتقاطعات تجمع ما بين العمل السياسي والتنظيمي لأعضاء من الحركات المسلحة الموالية للقوات المسلحة، الذين يتولون إدارة المنظمات المحلية النشطة بشمال دارفور. وبالتالي برزت شخصيات مثل: عائشة ابراهيم، مديرة منظمة ميرم لإسناد السلام وتنمية المرأة، صلاح الدين المدير التنفيذي لمنظمة النورس التي انتقلت من جنوب دارفور إلى شمال دارفور بعد اندلاع الحرب، حامد إدريس مناوي العضو البارز في منظمتي المندولة للسلام والتنمية ومنظمة وادي هور. كل السابقين تجمع بينهم عضوية حركة تحرير السودان (مناوي). فما العلاقة بين إدارتهم لمنظمات ونشاطهم السياسي مع الحركة، علاوة على ضلوعها في توصيل القوافل إلى دارفور؟ هل هناك استغلال للنفوذ من قبل عضوية حركة (مناوي) بالإتجاه للعمل الإنساني؟
إلا أن الدكتور/ صلاح الدين نفى ارتباط الشبكة تنظيمياً وسياسياً بحركة تحرير السودان (مناوي)، وقال "المنظمات التي تنضوي تحت شبكة الإغاثة والتنمية هي منظمات وطنية مسجلة تعمل بروح وطنية عالية، وعلى إلتزام أخلاقي بأسس وضوابط العمل الإنساني من منطلق قوانين العمل الإنساني الدولي والقوانين الوطنية والإقليمية التي تهدف لتعزيز وتماسك العمل الإنساني بعيداً عن التجاذبات السياسية المضرة". مضيفاً " لا ننكر أننا نتعامل مع موظفين بالدولة وفي حكومة الإقليم وهؤلاء ليس بعيدين من المجال الإنساني لا سيما أنهم يعملون في مجال الرعاية الإجتماعية، وفي سياق العمل الإنساني نحسبهم إضافة حقيقية".
الصورة من الصفحة الشخصية لـ صلاح الدين أبوبكر
الصور من واجهة صفحتي (إدريس حامد) ومنظمة (وادي هور)
التلاعب بالمساعدات
تعددت أوجه التلاعب بالمساعدات الإنسانية، خصوصاً في مناطق سيطرة القوات المسلحة؛ وقام فريق التحقيق بالتقصي حولها باستخدام المصادر المفتوحة. ومن خلال ذلك اتضح أن القوات المسلحة لا تتحكم فقط في حركة الإغاثة، بل تقوم باستخدام المواد الغذائية القادمة من الجهات ـــ خاصةً العربية ـــ لمساعدة المدنيين، في دعم المجهود الحربي، بتوزيعها على الجنود و المستنفرين في مناطق العمليات. ففي 31 أغسطس 2023 ظهر قائد منطقة الشجرة العسكرية وسلاح المدرعات، اللواء/ نصر الدين عبد الفتاح، في صور وخلفه سلال غذائية تحمل شعار مركز الملك سلمان.
الصور من موقع مركز الملك سلمان وصفحة القوات المسلحة (يوتيوب)
تواجد جنود من القوات المسلحة داخل مركز توزيع إغاثة من مركز الملك سلمان
بيع المساعدات
وصلت أولى شحنات الإغاثة لولاية شمال دارفور بحماية أمنية من القوات المشتركة في سبتمبر 2023م. وكشف مصدر داخل مدينة الفاشر لـفريق التحقيق عن تسرب الإغاثة المقدمة من المملكة العربية السعودية للأسواق؛ فيما أقر بالواقعة مفوض العون الإنساني بولاية شمال دارفور، الدكتور/ عباس آدم، وقال لفريق التحقيق "إن الحصة التي تسربت للأسواق تتبع ولاية جنوب دارفور " متهماً ممثل حكومة ولاية جنوب دارفور بمدينة الفاشر ،الضباط الإداري/ متوكل آدم عبدالله حامد، بالتصرف في الحصة وبيعها. (لم يتمكن فريق التحقيق من التواصل مع متوكل عبد الله للرد على الاتهام لتعثر الإتصالات)
الاستيلاء على خيام
استولت بعض عناصر القوات المسلحة السودانية على حوالي 50 خيمة، كانت قد تبرعت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبر جمعية الهلال الأحمر السوداني، لنازحي قرى شرق الجزيرة بمنطقة البوادرة التابعة لمدينة الفاو بولاية القضارف، وتعود تفاصيل القصة إلى قيام قوى تتبع للقوات المسلحة، بالاستيلاء على الخيم بحضور لجنة شؤون النازحين بالمحلية برئاسة المدير التنفيذي لمحلية الفاو، والتي تضم عناصر من اللجنة الأمنية بالمحلية.
وأفاد مصدر مقرب من دوائر صنع القرار بالمحلية، أن الخيام أُخذت بحجة إعادة تقديمها مجدداً للنازحين كتبرع من قبل القوات المسلحة. اعترضت لجنة شؤون النازحين على ذلك المسلك؛ بيد أنها لم تستطع منعهم من أخذ الخيام. وأكد المصدر أنه لم تتم إعادة الخيام أو معرفة كيفية التصرف فيها. الجدير بالذكر أن مخاوف استخدام المساعدات الانسانية لأغراض عسكرية أصبحت متزايدة في مناطق الاشتباكات وخطوط التماس على وجه التحديد؛ وهنا يبرز السؤال حول امكانية استخدام هذه الخيام لنصب معسكرات أو إخفاء مركبات قتالية فيه أو استخدامها لأي غرض عسكري آخر.
قوائم وهمية
يقوم بعض الفاعلون في مناطق سيطرة القوات المسلحة بالتلاعب في المساعدات الإنسانية، عبر عدة أوجه. فأحياناً يتم عمل قوائم وهمية من قبل المنظمات الوطنية أو اللجان بالمحليات، لتوزيع الاغاثة لغير المستحقين من المعارف وذوي القربى، فضلاً عن توزيعها على أعضاء المقاومة الشعبية كما حدث ــ لاحقاً ـــ بمحلية الفاو بولاية القضارف وذلك عبر التأثير على اللجان التي تعمل في المجال الإنساني. فقد أصدر والي ولاية القضارف المكلف، الفريق الركن/ محمد أحمد حسن، قراراً بتشكيل لجنة لحصر وايواء النازحين في التاسع من سبتمبر 2024؛ وتم تكليف اللجنة بمهمة ترحيل النازحين. وتباعاً قام المديرون التنفيذيون لمحليات الولاية بإصدار قرارات تكوين لجان حصر النازحين بالمحليات، ما يعد تغولاً سافراً في عمل مكاتب الرعاية الاجتماعية بتلك المحليات. وبناءً على ذلك سعت السلطات المحلية إلى توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية للنازحين؛ بدليل تولي المدير التنفيذي لمحلية الفاو رئاسة اللجنة في محليته، التي شغل فيها رئيس المقاومة الشعبية بالفاو، محمد يوسف حاج عمر، منصب نائب رئيس اللجنة.
وأفاد المصدر (أ ب ح )، من مدينة الفاو ولاية القضارف، أن عناصر المقاومة الشعبية يسيطرون على لجنة المدينة، مبيناً في حديثه لنا، أن جهاز المخابرات العامة بالمحلية أوقف نشاط اللجنة القديمة ــــــ التي تعمل على تقديم المساعدات للنازحين ـــــ المكونة من متطوعين، لإتاحة المجال للمقاومة الشعبية للتحكم في اللجنة الجديدة وعملية إعداد قوائم المستحقين فضلاً عن التلاعب في توزيع المساعدات.
وكشف المصدر (م ت ه) عن التلاعب بكشوفات الأسر المتلقية للدعم المادي القادم من منظمة الاغاثة الاسلامية عبر العالم، حيث اشتمل الكشف على أسماء قيادات المقاومة الشعبية بمحلية الفاو، وقال "منظمة الاغاثة الإسلامية قامت بتقديم مبالغ مالية كمساعدات للأسر ولكن جزء من هذه المبالغ تم تحويلها لعناصر من قيادات المقاومة الشعبية بمحلية الفاو"، فيما أكد مصدر آخر، إتفاق اللجنة مع بعض العناصر لاستلام المبالغ، ومن ثم استرجاع جزء منه لصالح المقاومة الشعبية.
وبناءً على إفادتي المصدرين والتقصي حول أسماء المستفيدين الواردة بالكشوفات عبر (صفحات الفيسبوك)، تبين لنا، أن محمد إبراهيم الشهير (باسترليني) صاحب مطعم استرليني بمدينة الفاو، علي جعفر صالح و فخرالدين برمة (المعرف على الفيسبوك باسم فخرالدين السوداني) ثلاثتهم من عناصر المقاومة الشعبية.
وعند تواصل فريق التحقيق مع المدير التنفيذي لمحلية الفاو، عثمان عبدالله، حول تلاعب المقاومة الشعبية بقوائم المستفيدين من الدعم المالي وحادثة الاستيلاء على الخيام بواسطة عناصر تتبع للقوات المسلحة في نطاق سلطاته بالمحلية، طلب إرسال الأسئلة، إلا أنه لم يجب عليها حتى لحظة كتابة هذا التحقيق.
صورة من تواصل فريق التحقيق بالمدير التنفيذي لمحلية الفاو
دعاية سياسية
من خلال تتبع مواقع التواصل الاجتماعي رصد فريق التحقيق، قيام قوات السريع بتقديم معونات للمواطنين في ولايتي الخرطوم والجزيرة. وتُظهر مقاطع الفيديو التي نشرتها قوات الدعم السريع على مواقع التواصل الاجتماعي في 20 يناير 2024م، زيارة قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة لمستشفى مدينة الحاج عبدالله، بقيادة أبوعاقة كيكل، قبل تغيير ولائه لصالح القوات المسلحة. حيث ادعت قوات الدعم السريع تقديمها معونات للمواطنين.
وفي ذات الإتجاه، يبيّن مقطع فيديو آخر على منصات قوات الدعم السريع في 10 مارس 2024م تسيير قافلة معونات لخلاوي الشيخ أزرق طيبة. وكما ظهر رئيس لجنة السلم والمصالحات التابعة لقوات الدعم السريع، اللواء/ موسى حامد أمبيلو في مقطع فديو نُشر في 14 نوفمبر 2024م، وهو يتقدم عملية تقديم مواد اغاثة لمواطني الجريف شرق بولاية الخرطوم.
تثير نتائج الرصد الذى قام به فريق التحقيق شكوكاً حول نوايا قوات الدعم السريع من تقديمهم معونات للمواطنين، لربما تكون لأغراض الدعاية السياسية وكسب التأييد؛ على الرغم الضبابية حول مصدر تلك المواد الغذائية، في ظل مخاوف أن تكون منهوبة، فضلاً عن إتهام نفس القوات بإرتكابها جرائم ضد المواطنين في ولايتي الجزيرة والخرطوم.
قام فريق التحقيق بالتواصل مع أحد الضباط الميدانيين بقوات الدعم السريع (طلب حجب اسمه) وسؤاله حول مصدر المواد الغذائية التي يقدمونها للمواطنين، وقال أن المواد التي يقدمونها للمواطنين تم شراؤها الاسواق المحلية.
هل لمنظمات الأمم المتحدة علاقة بالفساد المصاحب للمساعدات الإنسانية في السودان؟
خيام UNHCR
رصد فريق التحقيق من خلال تتبعه حركة للمعونات الإنسانية عبر الوسائط الإعلامية، مقطع فيديو يوضح شراء مبادرة إيوا لعدد من الخيام تحمل شعار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR من سوق بمحلية الجبلين في ولاية النيل الأبيض؛ بغرض استخدامها لإيواء الفارين من ويلات الحرب. وبناءً على ذلك قام الفريق بالتواصل مع مسؤولين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ــ بعد أن تحصل على عنواني بريدهما الإلكتروني من موقع المفوضية على الإنترنت ــ للإجابة على كيف وصلت خيام المفوضية للأسواق؟ إلا أنهما لم يجيبا على الرسائل. وكان الاتصال الأول في 13 ديسمبر 2024م مع السيدة/ فيث كاسينا (Faith Kasina) الناطق الرسمي باسم المفوضية لمنطقة شرق أفريقيا، القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمى kasina@unhcr.org وأتبعه باتصال آخر في السابع من يناير 2025م بالسيد/ عبدالله نصرالله، المتحدث باسم المفوضية في السودان nasrulla@unhcr.org
الصور من الصفحة الشخصية مجاهد حلالي (فيسبوك)
الصور من الصفحة الشخصية (فيسبوك)
أدوية WHO
رصد فريق التحقيق صور من وسائل التواصل الإجتماعي، تظهر وزير الصحة بإقليم النيل الأزرق، جمال ناصر، في عملية تسلُم أدوية من منظمة الصحة العالمية في 16 ديسمبر 2024م؛ إلا أنه بعد سبعة أيام من رصد الصور ظهر ذات الوزير وهو يقوم بتسليم كميات من الأدوية للمستشفى العسكري بمدينة الدمازين. من خلال المتابعات، لم يرصد فريق التحقيق وصول أي قوافل أدوية أخرى للولاية في تلك الفترة، لذا، من المرجح أن تكون الأدوية التي سلمها الوزير للمستشفى العسكري، هي ذات الواردة من منظمة الصحة العالمية، فبدلاً من أن تذهب للمستشفيات المدنية التي تعاني نقصاً حاداً في الأدوية كانت من نصيب العساكر.
الصور من صفحة المصور متوكل الجمري الفيسبوك
مواد WFP
استفاد فريق التحقيق من المصادر المفتوحة للتعرف على أنشطة منظمة (كلنا قيم) التي تعمل كشريك وطني مع برنامج الغذاء العالمي، في تقديم المعونات الإنسانية في الخرطوم ، مدني وامدرمان، إضافة إلى مدينتي كوستي وربك بولاية النيل الأبيض.
وفي مسار التحقيق تعززت الشكوك أن تكون منظمة (كلنا قيم) على صلة أو تنسيق مع القوات المسلحة، بدليل ظهور توفيق محمد على، والي ولاية سنار السابق بالزي العسكري مع أفراد من القوات المسلحة وسط موظفي ومتطوعي المنظمة، أثناء عملية تسليم المساعدات من برنامج الغذاء العالمي بولاية سنار في أواخر مايو 2024م.
وما يزيد الشكوك أكثر ارتداء أحد متطوعي المنظمة (نواز الفاضل) زياً عسكرياً، وبعد مطالعة صفحته الشخصية على (فيسبوك)؛ اتضح أن نواز ينشط في الترويج للعمليات العسكرية لكتيبة البراء بن مالك، ويعمل لمصلحة عدة جهات منها منظمة حوجات، شبكة زاد الخيرية، مؤسسة خطوة الخيرية، نبض الخيرية. ويطرح هذا الأمر سؤالاً جوهرياً حول استخدام المساعدات الإنسانية للدعاية الحربية لأطراف الحرب؟ وهل الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي على علم بذلك؟ وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها حيال الأمر؟
صورة توضح استلام والي سنار السابق قافلة مساعدات
صور متنوعة لنواز الفاضل
سعى فريق التحقيق للحصول على إجابات من برنامج الغذاء العالمي حول الشراكة مع منظمة (كلنا قيم) وعلاقة المنظمة بالقوات المسلحة وكتائب البراء؛ وتواصل مع محمد جمال من مكتب الإعلام التابع لبرنامج الغذاء العالمي بالسودان، في 21 نوفمبر 2024م. طلب الموظف أن تبعث له رسالة عبر بريده الإلكتروني sudna.media@wfp.org. إلا أن الفريق راسل ثلاث مسؤولين في الثالث من ديسمبر 2024م بعد حصوله على عنوانين إضافيين للسيدة/ ليني كينسالي Leni Kinzli leni.kinzli@wfp.org ومحمد الأمين mohamed.elamin@wfp.org ، وإعادة الكرة في السابع من يناير 2025م، ولم ترد إجابة في المرتين.
عطاء اليونيسف
تحصل فريق التحقيق على معلومات ووثائق، مفادها قيام شركة (تنزيل للتخليص الجمركي Tanzeel for Customs Clearance Service) بنقل مواد لتنقية مياه الشرب من بورتسودان إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض. ومن خلال سرديات المصادر لفريق التحقيق، خاصة في مسألة حماية القوافل وعقبات الطريق أثناء العبور من مناطق سيطرة طرفي الحرب وبينهما المجموعات القبلية المسلحة، ثارت شكوك حول كيفية حصول الشركة على عقد الترحيل من منظمة مثل اليونيسف؟ علماً أن المواد صاحبتها عشوائية في الشحن وتباين في العبوات عند مقارنتها ما يدل على احتمالية الاختلاف في الجودة، ما أدى إلى احتراق بعض العبوات أثناء الرحلة، مع غياب المتابعة من قبل المنظمة. بعد عملية مضنية من البحث في الموقع الإلكتروني لليونيسف بالسودان، لم يحصل الفريق على إعلان عطاء ترحيل في الفترة الماضية، مما عزز الشكوك في شبهة الفساد حول حصول شركة تنزيل على عقد الترحيل. وعليه تواصل الفريق مع شركة تنزيل ومنظمة اليونسيف للحصول على بعض التوضيحات حول الأمر.
بداية تواصل فريق التحقيق مع مسؤولة الإمداد باليونيسف - السودان، مشاعر عثمان في 26 ديسمبر 2024م، عبر الواتساب. وأفادت أنها غير مخول لها بالحديث لوسائل الإعلام؛ وبالتالي وجهت الفريق للتواصل مع موظفة الإعلام من مكتب اليونيسف - السودان، سامرين الخير محمد أبو إدريس. وعندما تواصل الفريق مع سامرين عبر الواتساب، وبمجرد علمها عن استقلالية هذا التحقيق لم تستجب. تلى ذلك محاولة أخرى في 26 ديسمبر 2024م مع إيفا هندس Eva Hinds من مكتب إعلام اليونيسف بالسودان عبر البريد الإلكتروني ehinds@unicef.org وأيضاً لم تستجب.
وبالمقابل وجه الفريق أسئلة للمدير التنفيذي لشركة تنزيل، محمد هاشم، عن إجراءات التعاقد مع اليونيسف ، وقال "لدينا عقد واضح مع منظمات الأمم المتحدة الدائمة في السودان كمثل باقي الشركات الوطنية الأخرى التي تقدم خدماتها اللوجستية". كرر الفريق السؤال حول إجراءات التعاقد وما إذا تحصلت الشركة على العقد عبر عطاء مفتوح أو أي من إجراءات التعاقد الشفافة، إلا أن مدير الشركة لم يجب. وكذلك طلب الفريق صورة من العقد لإزالة الشبهة، لكنه رفض متعللاً "لا أعتقد أنه بإمكاننا مشاركة ذلك العقد مع أي جهة أخرى لخصوصية الخدمات التي نقدمها لهم".
نهب وبيع المساعدات
بحسب المتابعات الميدانية والشهادات التي جمعها فريق التحقيق من مدنيين في عدد من الولايات، توصلنا إلى وجود أسواق لبيع المساعدات الإنسانية في عدة مناطق مثل (سوق بورتسودان الكبير، سوق كسلا، سوق الدويم، سوق صابرين بأم درمان، سوق أبو رخم بالقضارف، أسواق بشمال كردفان ومنطقة جودة بالنيل الأبيض).
ووفقاً لسائق شاحنة كان من ضحايا النهب، أن الطريق من مدينة كوستي إلى مدينة الأبيض أصبح شديد الخطورة حيث تنشط العصابات المسلحة في نهب وبيع المنهوبات في مدن شمال كردفان. ويقول السائق أنه تعرض لحادثة نهب في منتصف العام 2024، أثناء نقله شحنة من الأدوية تتبع مركز (الجميح لغسيل الكلى). ويسترسل أنه لدى تحركهم من مدينة كوستي قاصدين مدينة أم روابة، اعترضت طريقهم دورية يعتقد أنها تتبع لقوات الدعم السريع تسيطر على الطريق من كوستي، حتى تخوم مدينة الأبيض. لقد واجهوا سلسلة من التحريات حول طبيعة الشحنة، وبعد توضيح تبعيتها لمركز غسيل الكلى المتوقف عن العمل، والتودد أن تأخيرها سيؤدي إلى موت المرضى، وتفاوض استمر لساعات؛ قام بعض الجنود بإنزال جزء من الأدوية، والمطالبة بدفع مبلغ مالي كرسوم للعبور. يواصل السائق حديثه "لم يكن بيدنا شيء لنفعله دفعنا المال، وسمحنا لهم بأخذ جزء من الأدوية لنواصل طريقنا لمدينة الأبيض حيث مئات المرضى بين يدي الموت في انتظار هذه الشحنة".
استفسر فريق التحقيق السائق حول مصير المنهوبات، فقال "الطريق بين النيل الأبيض وشمال كردفان تنتشر فيه عصابات وجنود يتبعون للدعم السريع يعملون على نهب الشاحنات، وهناك أسواق منتشرة لبيع مختلف السلع المنهوبة بعضها ليست مواد إغاثة، وإنما بضائع لمواطنين، يتم بيعها بأسواق محليات، بارا، غرب بارا، الرهد، أم روابة، المزروب وأم كريم".
تطابقت رواية السائق مع قول تاجر بسوق بلدة المزروب ــ شمال كردفان، الذي أكد وجود مواد إغاثة تباع في سوق المنطقة وأسواق البلدات الواقعة في الطريق بين أم روابة والرهد؛ وقال "مسلحون يأتون بالبضائع مثل مواد الإيواء والمواد الغذائية للأسواق ويعرضونها للتجار بأسعار رخيصة؛ مما شجع تجار من مناطق بعيدة يأتون للحصول على هذه البضائع". إلا أنه تردد في تحديد الكميات أو المسؤولين عن توريدها لتلك الأسواق وكيف يدفعون قيمة المواد للموردين.
مسلحو القبائل
خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة جبل موية، اتخذت شاحنات نقل المواد الغذائية طريقاً بديلاً للوصول من بورتسودان الى النيل الأبيض، الجزيرة وكردفان؛ ويمر الطريق البديل بالولاية الشمالية عبر الصحراء إلى وجهته. وتتولى قبيلة الكبابيش عملية تأمين الشاحنات في حيز نفوذها بين منطقة البوحات في الكيلو 79 شمال امدرمان (الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة) إلى منطقة الاندرابة شمال كردفان (الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع). وأثناء تتبع فريق التحقيق لحركة نقل مواد تنقية المياه التابعة لمنظمة اليونيسف إلى النيل الأبيض، أكد بعض سائقي الشاحنات دفعهم مبالغ مالية نظير حماية وتأمين القافلة التي تضم عدداً كبيراً من الشاحنات تفوق الألف شاحنة (من بينها تلك التي تحمل المواد التابعة لليونيسف)
وحسب شاهد عيان تحدث إلى فريق التحقيق، أن عملية التأمين تبدأ من البوحات إلى الاندرابة مقابل ثلاثة مليون جنيه سوداني (ما يعادل 1,200 دولار تقريباً) تدفع نقداً أو عبر تطبيق بنك الخرطوم (بنكك) في حال عدم وجود السيولة النقدية. وذلك، فضلاً عن وجود خمس نقاط إرتكاز تتبع لقوات الدعم السريع، حيث يطلبون مبالغ تتراوح بين 350 إلى 800 ألف جنيه سوداني (140 إلى 320 دولار تقريباً) عند كل بوابة. تحصل فريق التحقيق على بعض أرقام الحسابات التي تودع بها مبالغ التأمين بغرض تتبع حركة الأموال والمستفيدين منها؛ إلا أن ذلك تعثر لعدم تعاون وخوف المصادر من داخل بنك الخرطوم.
وكشف الشاهد أن المجموعات القبلية تمتلك أسلحة متنوعة وجديدة وأخرى مثبتة على سيارات ذات دفع رباعي حديثة الصنع. بتحليل حركة ونشاط مسلحي القبائل بين منطقتين يسيطر عليهما طرفا الحرب، دون حدوث اشتباكات بين مسلحي القبائل وطرفي الحرب؛ علاوة على حجم ونوع تسليح تلك القوات؛ لابد من وجود حركة تجارية كبيرة في تل ك المناطق. من الذي يقوم بتوريد السلاح والسيارات لمسلحي القبائل؟ وكيف تتحرك الأموال المدفوعة عبر تطبيق بنك الخرطوم على وجه الخصوص؟ وهل هناك تنسيق بين طرفي الحرب ومسلحي القبائل حول التجارة وحركة الأموال؟
استمرار تغذية الحرب
قال الخبير في مجال العمل الإنساني وهيئات الأمم المتحدة، الدكتور/ صلاح الأمين، الذي شارك في عملية شريان الحياة (واحدة من أكبر عمليات العون الإنساني التي نفذتها الأمم المتحدة على مستوى العالم ـــ واستمر عملها بالسودان من العام 1989 وحتى 2010م)؛ قال لفريق التحقيق أنه من خلال متابعته لعمليات الإغاثة التي بدأت عقب اندلاع الحرب والتعقيدات التي نشأت في عمليات التوزيع، يتضح أن المشكلة نابعة من فروقات التفكير والنظر لعمليات الإغاثة "المشكلة تكمن في فرق العقليات، حيث تتعامل الحكومات مع الإغاثة كملف أمني، بينما المنظمات الدولية الإنسانية تتعامل معها كملف إنساني"، واقترح الأمين أنه لأغراض وقف تسرب الإغاثة للأسواق لابد من إشراك المستفيدين على الأرض، بجانب الاستعانة بالقادة المجتمعيين في استلام وتوزيع الإغاثة بالتنسيق مع المنظمات الدولية.
وعلى صعيد متصل تنبأ أحمد الحاج، المستشار السابق لعدد من المنظمات الإنسانية الدولية، باحتمال توسع الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالمساعدات الانسانية خاصة بعد إعلان المجاعة، حيث تسعى العديد من المنظمات الدولية لتوسيع حجم المساعدات الإنسانية المرسلة للسودان. وأضاف في حديثه مع فريق التحقيق "من الواضح أن الأطراف المتقاتلة سوف تحصل على المزيد من الأموال نتيجة بيع هذه المواد بجانب تزويد مقاتليها بالمواد الغذائية خاصة في المناطق المحاصرة وهذا سيسهم في اطالة امد الحرب".
وختم الحاج حديثه مطالباً المنظمات الدولية بتولي عملية نقل المساعدات وتوزيعها عبر عاملين يتبعون لها، مع العمل على زيادة نسبة المساعدات المالية التي ترسل مباشرة للمواطنين عبر التطبيقات البنكية.