ألأوضاعُ الإنسانية ومُعاناة النازحين بولاية غرب كردفان بسبب الحرب (٢ - ٢)
موتى وسط الأطفال وكبار السِّن، والنازحون يُفضِّلون أن تصلهم المساعدات عبر دولة جنوب السودان
ألأوضاعُ الإنسانية ومُعاناة النازحين بولاية غرب كردفان بسبب الحرب (٢ - ٢)
تقرير : مرصد حرب السودان
خَلصتُ فى الجزء الأول من التقرير والذى يُسلِّط الضوء على الأوضاع الإنسانية المُزْرِية والمُعاناة المُتفاقِمة التى يعيشُ تحت وطأتِها نازحى الحرب العبثية بين الجيش والدعم السريع بولاية غرب كردفان البالغ عددهم ٧٥٥،٤٧٠ نازحاً ونازحة، نزحوا إلى محليات الولاية الأربعة عشر فى موجتين.
و مثّلّت الموجة الاولى النازحون الذين نزحوا للولاية من خارجها عقِبَ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع فى الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م بالخرطوم وانتقالها كانتقال النار فى الهشيم إلى ولاية شمال كردفان، وولايات دارفور عدا ولاية شمال دارفور، انتقلت إليها الحرب لاحقاً بعد انحياز بعض الحركات المُوقِّعة على اتفاق جوبا للقتال الى جانب الجيش وتخليها عن موقف الحَياد الذى اتخذته منذ اندلاع الحرب، علاوةً على الاشتبكات المُتقطِّعة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة القائد عبدالعزيز الحلو والجيش السودانى بولاية جنوب كردفان، وقتها اصبحت ملاذا امنا نسبة لحالة الأمن، والاستقرار التى كانت تتمتّعُ بها الولاية.
بينما مثّلت الموجة الثانية النازحين الذين نزحوا داخل الولاية نتيجة لتوسيع الدعم السريع بقطاع غرب كردفان لنِطاق سيطرته بالولاية عن طريق الاستيلاء على حاميات الجيش التابعة للفرقة ٢٢ مُشاة ببابنوسة، تارةً بالانتصار فى معاركه مع الجيش للسيطرة على تلك الحاميات، وتارةً أخرى عبر انسحاب الجيش من بعضها ليدخلها الدعم، خلصتُ الى ان نازحى الموجة الأولى هم فقط من حَظُوا بالمساعدات الانسانية، بينما تمّ حِرمان نازحى الموجة الثانية من المساعدات الإنسانية والاغاثات سيِّما بعد تصريحات الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة فى شهر فبراير ٢٠٢٤م بأنّ، لا دخول للمساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع ما لم تضع السلاح.
إغلاق مكاتب المنظمات الدولية
وأدّى إغلاق الوكالات الأممية العاملة لمكاتبها وخروجها من الولاية بعد أعمال السّلب والنّهب لمركباتها وتدمير أصول مكاتبها بعد الأحداث المؤسفة التى شهدتها مدينة الفولة بتأريخ ١٦أغسطس ٢٠٢٣م كردّ فعلٍ على قيام الجيش بقتل اثنين من المدنيين من أبناء الفولة قادمين من الخرطوم على ظهر عربة دفّار يحملُ منهوباتٍ من الخرطوم، تسبّب خروج الوكالات الأممية من الفولة إلى إصابة العمل الانسانى بالولاية بشللٍ تام، فغابت عمليات الوصول وإجراء المسوحات المشتركة بين الوكالات الأممية، والجهات الحكومية، وجميع شُركاء العمل الإنساني بالولاية لتحديد احتياجات نازحي الحرب بالولاية فى موجتى نزوحهم تجاهُها سواء أكانت الأولى أو الثانية، كما قادَ إغلاق المكاتب إلى إيقاف عدداً من المشاريع التنموية، والخدمية، ومشاريع الإنعاش كان يجرى تنفيذُها بعددٍ من محليات الولاية.
نازحي مدينة بابنوسة
يقول المواطن حسن دلدوم أحد نازحي مدينة بابنوسة بإدارية القنطور ل ’’ مرصد حرب السودان ‘‘ أن نازحى مدينة بابنوسة والبالغ عددهم ٧٠٢٤ أسرة بعدد أفراد ٣٦،٧١٧ نازحاً، نازحة وهي المدينة الوحيدة فى السودان التى نزحَ جميع سكانها قبل وبعد وأثناء اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع للسيطرة على الفرقة ٢٢ مُشاة، هم الأكثر معاناةً من بين نازحي الحرب فى الولاية والسودان.
وقال دلدوم ’’ نزحنا الى جميع قُري واداريات المحلية وخارجها كذلك، سيراً على الأقدام وعلى ظهر عربات الكارو فى أسوأ مشهدٍ للنزوح نمرُّ به أو نشاهده على الإطلاق، وقال أنا وأسرتى استقرّ بنا المقام بقرية القنطور وتقدّم بالشكر لمجتمع إدارية القنطور الذين أحسنوا استقبالهم وضيافتهم‘‘.
وأضاف دلدوم ’’ عانينا أشدّ المعاناة فى توفير المأوى والمسكن والملبس سيّما وأن جميع النازحين الذين نزحوا من المدينة تحت قصف المدافع نزحوا بالكاد بالملابس التى يرتدونها دون أن يحملوا معهم شيئاً، ونقدم بالشكر مرةً أخرى لمجتمع إدارية القنطور على مشاركتهم المأوى والمأكل والملبس‘‘.
وقال أن الحرب أكدّت ’’ لنا أن قيمنا التكافلية والتراحمية، وموروثات النفير، ونجدة الضعيف لا تزال ضاربةً جذورها فى قِيمنا السودانية السمحاء‘‘، كما شكر دولة جنوب السودان والتى ولولا فتحها معابرها التجارية والتى جلبت لنا البضائع التجارية والغذائية لمات أغلب نازحي مدينة بابنوسة بإدارية القنطور.
وأضاف دلدوم بسبب غياب العناية الطبية لكبار السن من ذوى الأمراض المزمنة ’’ فقدنا المواطن جمعة قُصّة البالغ من العمر ٦٠ عاماً و يعملُ سائق أُتومبيل بسكك حديد بابنوسة، والذى عانى بسبب مُضاعفات مرض السُّكرى من النوع الأول، و فقدنا أيضاً طفلين حديثى الولادة، و شهدنا عدداً من حالات الاجهاض بسبب الخوف الشديد الذى أصاب الأُمهّات الحوامل،كما تُعانى المرضعات من نقصٍ فى الفيتامينات التى تُساعد على إدرار اللبن وقال تنعدم الرعاية الصحية الأولية والأساسية تماماً بإدارية القنطور‘‘.
وقال دلدوم ’’ مُنذُ نزوحنا إلى إدارية القنطور لم نتلقى أية مساعدات إنسانية لا من الحكومة ولا المنظمات الدولية ولا حتى من غُرَف المطابخ المركزية العاملة بالولاية‘‘.
معاناة الحصول علي ضروريات الحياة
بينما يقول الناشط المدنى طبق عبدالله، من مدينة الدبب حاصرة محلية الدببب والذى نزح من مدينة بابنوسة رفقة ٢،٤٩٩ أسرة بعدد أفراد ١٥،٢٨٦ نازحاً ونازحة أن نازحى مدينة بابنوسة، وبعد أن عانوا أشدّ المعاناة فى الحصول على ضروريات الحياة برغم أن مجتمع الدِّبب المِضياف أحسن وِفادتهم، نظّموا عُدّة وقفاتٍ احتجاجية للفت أنظار العالم تجاه مُعاناتهم ، مطالبين بادخال المساعدات الإنسانية والإغاثة إليهم ولسائر نازحى الحرب بولاية غرب كردفان عبر حدود دولة جنوب السودان.
دهاليز مفاوضات جنيف
وبعد استمرار مفاوضات جنيف بسويسرا التى انطلقت فى ١٤ أغسطس ٢٠٢٤م برعاية أمريكا وباشراف دولتى سويسرا والسعودية، ومشاركة دولتى مصر والامارات، والاتحادين الأوروبى والأفريقى كمُراقبِين، وهى المفاوضات التى انطلقت بمشاركة الدعم السريع بينما قاطعها الجيش الذى طالب بتنفيذ بنود اتفاق جدة ١١مايو ٢٠٢٣م قبل الحديث عن أى منبرٍ تفاوضىٍّ جديد.
ولكن وبعد استمرار المحادثات الافتراضية عن كَثبٍ مع الجيش على حد تعبير المبعوث الأمريكى للسودان توم بريللو، أفضت المفاوضات مع الدعم السريع، والمحادثات الافتراضية مع الجيش الى اتفاق طرفى الحرب على فتح معبر أدرى الحدودى بين دولتى تشاد والسودان لايصال المساعدات الإنسانية لولايات دارفور، وفتح طريق الدَّبة الذى يتيح وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى ولايات الشمال والغرب من بورتسودان.
وقد وجدت هذه الخطوة اشاداتٍ من الأمم المتحدة وشركاء منبر جنيف والوكالات الأممية، وجددّ برنامج الأغذية العالمية WFP ترحيبه بقرار حكومة السودان ببورتسودان بفتح معبر أدرى، وقالت المتحدثة باسم البرنامج لينى كينزلى أن فتح معبر أدرى سيسمح بتوسيع نطاق المساعدات إلى ١٤ منطقة ظهرت بها تصنيف المرحلة الحرجة ما قبل المجاعة من مراحل انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ادخال المساعدات الانسانية
وعطفاً على ذلك يرى الناشط المدنى طبق وعدداً كبيراً من نازحي الولاية أن أفضل الطرق لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لنازحي غرب كردفان هو عبر دولة جنوب السودان، حيث يرى الناشط طبق أن معبر أدرى على الحدود التشادية يبعد آلاف الكيلومترات عن ولاية غرب كردفان وتزيد وعورة الطرق والسيول والفيضانات من صعوبة الوصول الآمن للمساعدات الى الولاية.
كما يتساءل جميع نازحي الحرب بالولاية، لماذا لا يتم إيصال المساعدات الإنسانية لولاية غرب كردفان عبر معبر أويل والذي ساعد فى نقل البضائع لغرب كردفان وإنقاذ أهلها ونازحيها من خطر الموت جوعاً، وقال أن مدينة أويل بجنوب السودان وبها مطارٌ حديثٌ تبعد مسافة ١٨٠ كيلومتراً فقط من مدينتى المجلد وبابنوسة وعلى بُعد ٢٥٠ كيلومتراً من مدينة الفولة، كما تقصُر المسافة بين مدينتى أويل والميرم الحدودية مِمّا يسمحُ بعبور الشاحنات الى ولاية غرب كردفان فى زمنٍ وجيز وبأسرع مايكون.
لذلك ختم طبق حديثه بمناشدة، طرفى الحرب وشركاء منبر جنيف والأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية باسم نازحي غرب كردفان على ضرورة اختيار المعابر الحدودية مع دولة جنوب السودان كأحد المعابر الرئيسية لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثة لغرب كردفان حتى يتمكّنوا من مجابهة خطر المجاعة سيّما بعد المؤشرّات التي تُشير إلى فشل الموسم الزراعي هذا العام بالولاية.
رسالة السيناتور الأمريكي إلى الأمم المتحدة
أمس الجمعة ٢٣ أغسطس ٢٠٢٤م بعثَ السيناتور الأمريكى بن كارين رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى برسالةٍ إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش يدعوه فيها إلى قيادة استجابة فورية للوضع الإنسانى المتصاعد فى السودان، والضغط على طرفى الحرب بالسودان لتوفير وصولٍ آمنٍ وكامل ودون عوائق حتى تتمكّن وكالات الإغاثة من الوصول إلى المدنيين المحتاجين للمساعدات، و دعى بن كارين إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود كما حدث فى دولة سوريا وتوفير طُرقٍ آمنة عبر الخطوط والحدود بشكلٍ دائم للوصول الإنسانى، في ذات الوقت، لبّت تصريحات بن كارين هذه أشواق النازحين بغرب كردفان الذين يتطلعون إلى ان تصلهم المساعدات الإنسانية والإغاثة عبر دولة جنوب السودان.
تمويل المجلس النرويجي لشؤون اللاجئين
وفى سياق المساعدات الإنسانية البسيطة التى قدّمتها غرف الطوارئ المركزية للنازحين بولاية غرب كردفان، قال الأستاذ معمّر قذافى عضو وأحد مؤسسى غرفة طوارئ بابنوسة ل ’’ مرصد حرب السودان‘‘ أنّ غرفة طوارئ بابنوسة، وعبر التواصل مع مجلس العمل القاعدى، استطاعت الحصول على تمويلٍ من المجلس النرويجى لشئون اللاجئين NRC وذلك لدعم مبادرة التُّكُل او المطبخ المركزى لدعم نازحى بابنوسة بسِلالٍ غذائية بلغت تكلفتها ٥ ألف دولار أمريكى ما يُعادل ٥،٦٨٩،٥٥٠ جنيه سودانى.
اكد معمر ان غرفة طوارئ بابنوسة استهدفت عدد ٢٩٩ أسرة من نازحى بابنوسة بمحلية الأُضية و٣٢ أسرة من نازحى بابنوسة بمحلية الدِّبب و١١ أسرة من نازحى بابنوسة بمحلية غبيش.
وقال معمر أن المطابخ المركزية توقفت تماماً وذلك لانعدام التمويل، وناشد الوكالات الأممية والمنظمات الدولية لتوفير الدعم والتمويل للمطابخ المركزية عبر غُرف الطوارئ بمحليات الولاية المختلفة حتى تتمكّن من مواصلة عملها القاعدى فى مساعدة النازحين عبر توفير وجبة إفطار واحدة للنازحين، التي لا تتوفّر فيها السُّعرات المطلوبة للوجبة الواحدة.
الفيديو التالي يوضح مطالب نازحي بابنوسة بمدينة الدبب