آثارُ الحرب البيئية على ولاية غرب كردفان
تسرّب النفط يتسبّب فى أضرار بيئية جسيمة على الإنسان والحيوان
آثارُ الحرب البيئية على ولاية غرب كردفان
مرصد حرب السودان : ولاية غرب كردفان
غنِىٌّ عن القول بأن الحروب ومنذُ الأزل مُجلبة للخراب والدمار ولها آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية وخيمة، وهو ماكشفت عنه حرب الجنرالين العبثية التى يستعِرُ أُوارُها بالسودان منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م.
ومنذ انتقال مسارح عمليات الحرب بين الجيش والدعم السريع واتساع رقعتها وانطلاق شرارتها بولاية غرب كردفان بهجوم الدعم السريع على الفرقة ٢٢ مُشاة ببابنوسة بتأريخ ٢٣ يناير ٢٠٢٤م للسيطرة عليها وبعد استعصائها عليه، اضطّر الدعم السريع لتشعيب عمليّاته العسكرية، وتوسيع نطاقها داخل الولاية مما ساعده على الاستيلاء على عددٍ من الحاميات العسكرية التابعة للفرقة ٢٢ مُشاة ببابنوسة إما عُنوةً عبر العمليات العسكرية، كما حدث فى السيطرة على حاميات الفولة والميرم أو بانسحاب الجيش من بعض الحاميات ليتركها لقمةً سائغة للدعم السريع الذى بات يُسيطر على جميع محليات الولاية عدا محلية النهود التى أصبحت عاصمة بديلة للولاية بعد سيطرة الدعم السريع على العاصمة الفولة.
منذ انتقال الحرب بين الجيش والدعم السريع إلى تُخوم ولاية غرب كردفان تسبّبت العمليات العسكرية، ونوعية الأسلحة الثقيلة المستخدمة من جانب طرفى الحرب علاوةً على قصف الطيران الحربى التابع للجيش فى احداث خرابٍ، وتدميرٍ كبيرين طال البنيات التحتية فضلاً عن الآثار الاجتماعية المُتمثِّلة فى عمليات النزوح الداخلى، واللجوء الخارجى إلى الدول المجاورة للسودان.
بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية، التى تجلّت فى توقُّف العملية الإنتاجية فى كل القطاعات الإنتاجية فتعطّلت الأيدى العاملة الماهرة وغير الماهرة، وأُصيبت الأراضى الزراعية بالبوار رغم خريف العام ٢٠٢٤م الغزير، وامتدت الآثار إلى قطاع النفط حيثُ تُعتبر ولاية غرب كردفان من أكبر الولايات التى تحتضن آبار البترول التى يعتمد الاقتصاد السودانى عليها كمصدرٍ وحيدٍ للدخل القومى، وانتعاش الناتج القومى الاجمالى، والموازنة العامة السنوية للدولة.
جانب من الاثار البيئة المتضررة
تسرُّب النفط وخطره على الإنسان والحيوان
تقول براءة موسى الناشطة المدنية ومديرة منظمة كونى قوية ل ’’ مرصد حرب السودان‘‘ أنّ تسرُّب النفط بحقل أبوجابرة أدّى لتلوث مياه الأمطار الرّاكدة التى يعتمد عليها العرب الرُّحّل كمصادر رئيسة لمياه الشرب وسُقيا الحيوان.
وتضيف براءة بأن تسرُّب نفط حقل أبوجابرة وتلويث مياه الأمطار الراكدة قادَ لنفوق عددٍ كبيرٍ من الحيوانات الأليفة، وأسرابٍ من الطيور، وقالت أن الأثر لتلوُّث المياه بالنفط سيكونُ قاتلاً حال اقدام الحيوانات، والطيور المتنقلة من مكانٍ لآخر، لتقتات على رُفاة الحيوانات النافِقة، والطيور الميِّتة.
وبحسرةٍ وألم، قالت براءة بأن الآثار السالبة للحرب على البيئة سيّما فى مناطق النفط تُعتبر من المسكوت عنه، ولا يجد حظه من الاهتمام كالذى تجده قضايا إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وغيرها لأنها من أخطر الآثار التى سيمتدُّ أثرها السلبى القاتل على المدى البعيد.
تضيف لان اختلال النظام البيئى سيتضرّر منه الإنسان والحيوان على الدوام مستقبلاً، وأضافت بأن نفوق الحيوانات، والطيور وتحلُلِها وبقائها لفتراتٍ طويلة على الأرض سيُؤثِّر على خصوبة التربة.
وأكدّت براءة بأن بعض الأسلحة و القاذفات والمدافع الثقيلة التى يستخدمها طرفى الحرب فى العمليات العسكرية تفرزُ مواداً سامة مما يُودِّى لتلوُّث البيئة.
نُشُوب حريق بحقل مُوقا يُفاقم من خطر التّلوث البيئى
أدّت الأمطارُ الغزيرة ومايُصاحبها من زوابعَ رعدية عنيفة فى خريف هذا العام الغزير إلى نُشوب حريقٍ هائل بحقل مُوقا FBF التابع لحقول منطقة البرصاية إثرَ تعرُّضه لضربة صاعقةٍ كهربائية بعد الأمطار الغزيرة التى شهِدتها المنطقة نهاية الأسبوع الماضى.
ويقول المهندس حامد التوم الذي يعمل بحقول البرصاية ل ’’ مرصد حرب السودان‘‘ أن السبب الرئيسى لتسرُّب النفط وخطره البيئى، وتعرُّض حقل مُوقا للصاعقة الكهربائية يعود الى توقُّف الشركات العاملة فى التنقيب عن النفط بولاية غرب كردفان بعد احتلال قوات الدعم السريع للحقول وسيطرته التّامة عليها بعد عمليات التخريب المُمنهجة لخطوط النفط، التى قام بها ضِعاف النفوس، ومحدودى البصر والبصيرة من أبناء المنطقة، وتهديدهم للعاملين بالحقول من مهندسين وموظفين، وعمالة مؤقتة بالقتل مما دفعهم لمغادرة معظم الشركات العاملة فى التنقيب عن النفط بالحقول المختلفة.
وأضاف حامد أن بعض ضِعاف النفوس من أبناء المنطقة قاموا بتخريب موانع الصواعق بمعظم الشركات مما فاقمَ من خطر تعرُّضها المستمر لضربات الصواعق الرعدية، وبالتالى زيادة مخاطر الاشتعال، ونشوب الحرائق، ومُضاعفة خطر التسرُّب، والتدهور البيئى على المدى البعيد غير المنظور.
ونصَحَ المهندس حامد أهله الذين يقطنون بمناطق النفط لهجرة المنطقة مؤقتاً لتقليل مخاطر الإصابة بأمراض السرطانات والامراض الجلدية، والضعف الجنسى التى انتشرت بصورة كبيرة وسط سكّان مناطق انتاج النفط بسبب استخدام معظم الشركات الصينية العاملة فى مجال التنقيب عن النفط لتكنلوجيا مُضرة وغير صديقة للبيئة.
تأسيس منظمة تُعنى بقضايا البيئة للتصدى للمخاطر البيئية بالولاية
يقول الأستاذ حمد حمدون الناشط فى اللجان المدنية بغرب كردفان ل ’’ مرصد حرب السودان ‘‘ أن التدهور البيئى المُريع المُترتِّب عن تسرُّب النفط بعامل التّخريب المُمنهج للحقول، وللتصدى للافرازات البيئية السالبة، والتزاماً تجاه أجيال المستقبل ،فكّرنا فى تأسيس منظمة طوعية تُعنى فقط بمعالجة القضايا، والمشاكل البيئية ولنتمكّن من مخاطبة الوكالات الأممية، والمنظمات الدولية، وكذلك المجتمع الدولى لعكس المشاكل البيئية المُفرزة من الحرب الاهتمام الذى تستحقه، ولوضعها فى سُلَّم الأولويات كواحدة من قضايا الحرب المنسية.
وأضاف الأستاذ حمد أن البترول ومنذ اكتشافه بالولاية فى فترة التسعينات ظلّ دوماً نِقْمَة لا نِعْمَة بغرب كردفان، حيث لم تُوظّف عائداته للصرف على ترقية الخدمات، أو تأسيس مشاريع للبنية التحتية، بل تم إهدار أنصبة الولاية فى مشاريع صفرية، وفى دفع تعويضات فردية لمن فقدوا أراضيهم بعامل التنقيب.
وأكدّ بأنهم كأجيال جديدة بالولاية يفكرون بطرقٍ مختلفة لأنهم يُراعون المصلحة العامة، وحقوق الأجيال القادمة ومُراعاة هذه الحقوق التزامٌ صارمٌ من جانبنا حتى، لا نُورِّثهم أراضٍ جرداء لا تصلح حتى للزراعة لأن البترول موردٌ غير مُتجدِّد، وعُرضة للنَّضب.
ومن زاوية رؤية أخرى، يقول الأستاذ حمد أن الحرب أثّرت على القطاع النباتى بسبب عمليات القطع الجائر للأشجار، والغابات التى يقوم به النازحين واللاجئين، والمجتمع المستضيف لاستخلاص حطب الوقود، والفحم بعد انعدام غاز الطبح بسبب الحرب العبثية.
وقال احمد أن المنظمة الطوعية ستهتم بمعالجة قضايا التّصحُّر والزحف الصحراوى، وزراعة أنظمة أشجار لتجديد القطاع النباتى، واضاف أن خريف هذا العام الغزير ساعد فى انبات الأشجار بكثافة فى بعض المناطق البعيدة عن حقول النفط، لكن التحدى سيكون ماثلاً فى المناطق المحيطة بآبار البترول، وهو ماسنعمل على معالجته من خلال المنظمة، ومن خلال بند المسئولية المجتمعية من الشركات النفطية تجاه المنطقة وانسانها.