صحيفة واشنطن بوست .. بعد استعادة الجيش مدينة ود مدني .. امتلأت الشوارع بالجثث في الكنابي والمدينة
واشنطن تتهم قائد الجيش الجيش السوداني ، بقيادة الهجمات على المدنيين، وحرمان النازحين من المساعدات الغذائية
صحيفة واشنطن بوست .. بعد استعادة الجيش مدينة ود مدني .. امتلأت الشوارع بالجثث في الكنابي والمدينة
مرصد حرب السودان : متابعات
بعد أن استعاد الجيش السوداني والأطراف المتحالفة الممثلة في حركات الكفاح المسلح، كتائب البراء الاسلامية الجهادية، وقوات درع الشمال، نفذ خلالها الجيش السوداني حملات انتقامية ضد سكان الكنابي المزارعين التي تعود الى اصولهم الي غرب السودان، والمكونات الاخرى التي تنتمي إلى قوات الدعم السريع، اضافة الى مواطنين اخرين، تحت ذريعة التعاون مع الدعم السريع.
وتعرضت عشرات القرى جنوب ولاية الجزيرة، وبعض المناطق التي تقطنها قبائل البرقو والتاما وبعض القبائل إلى عمليات استهداف ممنهجة تحت سمع وبصر، بأوامر من قيادات عليا في الجيش السوداني، تسعى إلى فرض سياسة التهجير القسري ضد هذه المكونات التي كانت ضحايا الدعم بقيادة ابو عاقلة كيكل قائد الدعم الذي ساهم في سقوط الفرقة الأولى مشاة في ولاية الجزيرة ديسمبر 2023.
ازدواجية الجيش السوداني في التعامل مع سكان الكنابي
في ذات الوقت، هناك اسئلة منطقية، يجب أن يتم طرحها، لماذا عفي الجيش السوداني عن ابو عاقلة كيكل قائد قوات درع الشمال، والذي كان قائدا للدعم السريع قبل انضمامه إلى الجيش السوداني؟، ولماذا اعطي الجيش السوداني اوامر للأطراف الموالية له بتنفيذ انتهاكات خطيرة ترقي إلى التطهير العرقي، وفرض سياسة الهجرة القسرية ضد هذه المجتمعات التي كانت ضحية قائد قوات درع السودان؟.
هل العفو فقط علي ابو عاقلة كيكل وحده؟، من دون ان يقدم الى نوع من المحاكمة، باعتباره المتورط في سقوط الفرقة الاولي مشاة ود مدني، وساهم في تشريد الملايين من السودانيين الذين لجأوا إلى هذه المدينة؟، لماذا تسعى المؤسسة العسكرية إلى تطبيق سياسة ازدواجية المعايير والتمييز علي أساس اللون أو القبيلة بين السودانيين؟.
يبدو ان سياسة الجيش ما بعد حدث في كمبو خمسة، تتمشي مع سياسة المؤتمر الوطني الذي يريد تفريغ ولاية الجزيرة، من كل ما هو له صلة بغرب السودان، من دارفور وكردفان، بالاضافة الي ذلك، يجب فهم مبررات أخرى تتمثل في الولاء والانتماء إلى قوات الدعم السريع الذي ساهم الجيش السوداني نفسه في وصولها الي هذا المستوي من التسليح العالي، ما بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني قبل سنوات، وهذه العوامل تعطي الجيش السوداني، والاطراف الموالية حق القمع والقتل والابادة والتهجير.
مقاطع الفيديو الموثقة
تظهر مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها بواسطة فريق صحيفة واشنطن بوست ’’ The Washington Post ‘‘ عمليات قتل انتقامية على يد الجيش السوداني بعد استعادته مدينة ود مدني من قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
قالت واشنطن بوست في تقريرها، الذي نشر علي موقعها الرسمي، الثامن عشر من يناير 2025، قامت مجموعة من الجنود بإدخال حبل في فم رجل، ثم القوا به من فوق الجسر، واطلقوا النار عليه في الماء، وكان العشرات من الشباب، جميعهم قتلى، يرقدون حفاة القدمين في أكوام متناثرة، وجندي ينحني على أسير مقيد ومتلوى، ويقطع رقبته بالشفرة الحادة، وهو يصرخ، حتى فارق الحياة.
تكشف هذه المشاهد المرعبة، وغيرها من مشاهد العنف الانتقامي التي تم التقاطها بالفيديوهات والتحقق منها، من قبل صحيفة واشنطن بوست ما حدث الأسبوع الماضي بعد أن استعاد الجيش السوداني مدينة ود مدني ، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع شبه العسكرية لمدة عام.
كارثة حرب 15 أبريل 2023
يضيف تقرير واشنطن بوست، أطلقت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي بدأت في أبريل 2023، العنان للفوضى والمعاناة في جميع أنحاء السودان، وقُتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص، وأجبر أكثر من 11 مليوناً على ترك منازلهم، واتهمت الحكومة الأمريكية كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، وفرضت مؤخرا عقوبات على الرجلين.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف عالميًا باسم حميدتي، وأعلنت يوم الخميس 16 يناير 2025 عن إجراءات مماثلة ضد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني.
لقد اشتد الصراع في الغالب بعيدًا عن أعين الرأي العام، في الوصول إلى ساحات القتال مقيد بشدة، ولا تتمتع مساحات كبيرة من البلاد بإمكانية الوصول إلى الإنترنت أو الهاتف.
ومع انقطاع الاتصالات في ود مدني، لم تتمكن الصحيفة من الوصول إلى الأشخاص الذين ما زالوا داخل المدينة، مما يجعل من الصعب تقييم المدى الكامل لحملة القمع التي يقوم بها الجيش.
لكن أحد السكان، الذي تحدث إلى أفراد الأسرة الذين فروا، زعم حدوث اعتقالات، وقتل على نطاق واسع على يد قوات الجيش السوداني، وقال إن شقيقه قد تم اختطافه، وهو تحدث الى الصحيفة، بشرط عدم الكشف عن هويته خوفا من انتقام الجيش منه، بينما قال آخر فر من المدينة إن أقارب المجندين المشتبه بهم في قوات الدعم السريع تم استهدافهم.
الانتقام من أفراد قوات الدعم السريع
قال أحد السكان ’’ عندما استولت قوات الدعم السريع على هذه القرية، طلبوا من الآخرين الخروج ‘‘، لذا انضم بعض الأشخاص إلى الجيش السوداني، عندما وصلوا إلى المدينة انتقموا من أفراد قوات الدعم السريع.
اللقطات التي ظهرت من ود مدني، ومواقع أخرى حقق فيها الجيش مكاسب مؤخرا، دفعت الجيش إلى إصدار بيان نادر يوم الثلاثاء 14 يناير 2025، أدان فيه أعمال العنف، لكنه لم يصل إلى حد قبول المسؤولية.
مقاطع الفيديو التي تم تحديد موقعها الجغرافي والتحقق منها من قبل مركز مرونة المعلومات (CIR) ومقره لندن، ثم التحقق منها لاحقًا بواسطة واشنطن بوست، هي رسومية، و في إحداها، يظهر شاب ملقى على الطريق، ووجهه مغطى بالدماء، يتوسل من أجل حياته، استجوبه رجال يرتدون الزي العسكري بشأن شخص يعرفه على أنه والده.
و يتألم الشخص، بينما يتراجع الرجال الذين يرتدون الزي الرسمي ويطلقون النار، أصابت جسده حوالي 30 طلقة، ويهتفون ’’ الله أكبر ‘‘ يصرخ شخص ما في الخلفية، "الله أكبر"، وخلفه، تتناثر جثث الشباب بين السيارات المهجورة، وبعضهم لا تزال عيونهم مفتوحة، و توجد فرشاة أسنان ومعجون أسنان بجوار هؤلاء، بينما يوجد جبيرة أخرى على ساق علي احد مرمي علي الأرض، ويمكن رؤية ما لا يقل عن 19 جثة، لا توجد أسلحة مرئية بجانبهم.
إصابات بطلقات نارية في الرأس
وفي مقطع فيديو آخر تم تصويره في مكان قريب، بالقرب من نقطة تفتيش خام مصنوعة من براميل النفط والإطارات القديمة، كان ما لا يقل عن 48 شابًا يرقدون بلا حراك، العديد منهم مصطفون على جدار مجمع، وبعضهم بجوار صهريج مياه أزرق، والعديد منهم مصابون بطلقات نارية واضحة في الرأس، هوياتهم غير واضحة، وجميعهم حفاة ويرتدون ملابس مدنية.
وفي مقاطع فيديو أخرى، حيث يعرف الجنود عن أنفسهم بأنهم في ود مدني أو في مستوطنة القريبة القريبة، يظهر مدنيون جالسين تحت حراسة مسلحة أو يركضون عبر الصحراء، معصوبي الأعين ومقيدين بعضهم إلى بعض.
وفي مقطع فيديو ثالث حددته صحيفة واشنطن بوست، يُظهر الجنود رجلاً يرتدي ملابس مدنية وهو يصرخ من جسر حنتوب بالقرب من ود مدني، وحدد باحثون من المركز بقعًا على زي الجنود، تشير إلى أنهم من قوات تابعة للجيش، بما في ذلك كتيبة براء بن مالك الإسلامية، وجهاز المخابرات العامة، وقوات المهام الخاصة.
قال أحد جنود الجيش ’’ اضرب الحيوان ‘‘ ، وهو يصرخ امام الكاميرا، بينما يتم إدخال حبل في فم الرجل مثل اللجام، وفقًا لـمركز مرونة المعلومات، ويأمرهم احد الجنود، "هيا، اركض، اركض، ثأراً لكل شهدائنا، ثأراً لكل شهدائنا، اضربوهم، مستخدمًا بعض الكلمات التي يرددها جنود قوات الدعم السريع.
قوات الدعم السريع ترتكب ابادة جماعية ... علي اساس عرقي
وفي إطار العقوبات المفروضة على حميدتي، قال وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس السابق جو بايدن، أنتوني بلينكن إن قوات زعيم قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية، وهو إعلان نادر من واشنطن.
وقال في بيان صدر في السابع من يناير 2025 ’’ لقد قامت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بقتل الرجال والفتيان، حتى الرضع، بشكل منهجي على أساس عرقي، واستهدفت عمدا النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي ‘‘.
وتتهم الولايات المتحدة البرهان، قائد الجيش، بقيادة الهجمات على المدنيين، وحرمان النازحين من المساعدات الغذائية في مواجهة مجاعة سريعة الانتشار، مما يساهم في ما وصفه بلينكن بـ”أسوأ أزمة إنسانية في العالم ‘‘.
استهداف ممنهج لسكان الكنابي
وتكشف أعمال العنف الأخيرة عن خطوط الصدع العرقية والاقتصادية في ود مدني، في قلب الأراضي الزراعية في السودان.
وقالت وسائل إعلام سودانية، إن العديد من الضحايا كانوا من العمال المهاجرين المعروفين باسم سكان "الكنابي"، نسبة إلى الكلمة العربية التي تعني المعسكرات.
ويأتي العديد من سكان الكنابي من غرب البلاد، بعضهم من دولة جنوب السودان المجاورة، التي أعلنت استقلالها عن السودان في عام 2011، بعد عقود من الحرب الأهلية، بينما الأجيال التي هاجرت منذ عقود من اقليم دارفور غربي السودان، ولم يكن لديهم تقليديًا أي أرض أو حقوق سياسية.
وقد حاولت قوات الدعم السريع، على الرغم من نشأتها كميليشيا قبلية عنيفة والإمبراطورية التجارية لزعيمها التي تقدر بمليارات الدولارات، تقديم نفسها كبطل للمجتمعات الفقيرة والمهمشة في السودان، بما في ذلك سكان الكنابي المزارعين، في مواجهة النخب العسكرية في البلاد، لذلك، عندما وصل الجنود إلى ود مدني والمناطق المحيطة بها، على حد قول السكان السابقين، استهدفوا منازل الكنابي.
وقال احد الفارين من منطقة كمبو خمسة القرب من المدينة عرب، على بعد حوالي 20 ميلاً شرق ود مدني، اعتقل أفراد الجيش العديد من الأشخاص ونهبوا الممتلكات.
وأضاف أنه في كمبو حليمة، جنوب جامعة الجزيرة، قُتل ما لا يقل عن 12 شخصاً، مقدماً صوراً لجثث محترقة وملطخة بالدماء لم تتمكن الصحيفة من التحقق منها.
وزعم مؤتمر الكنابي الذي يمثل الجماعة في بيان له، الخميس، أنه “بتاريخ 9 يناير وقعت مجزرة في كمبو طيبة شرق أم القرى، شملت حرق طفلين داخل المنازل، واغتيال ستة أشخاص آخرين، واختطاف 13 امرأة.
سرقة أفراد الجيش ممتلكات المواطنين
قال أحد سكان قرية قريبة من كمبو طيبة إن العديد من الرجال المحليين هناك انضموا إلى قوات الدعم السريع، وقال للصحيفة في رسالة إنه عندما وصل الجيش، قتلوا ستة رجال على صلة بـافراد قوات الدعم السريع، واعتقلوا عائلاتهم واستولوا على ممتلكاتهم، وأضاف أن قرويين آخرين لم يتم استهدافهم.
حسب صحيفة واشنطن بوست، يمتد الصراع في السودان عبر حدوده، مما يزيد من زعزعة استقرار بعض أفقر بلدان العالم وأكثرها عنفاً، وتدفقت الأسلحة والمرتزقة إلى السودان من تشاد، وليبيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وفر ملايين اللاجئين من السودان إلى مصر، وتشاد، وإثيوبيا، وجنوب السودان.
وأثارت أعمال العنف المحيطة ود مدني هجمات انتقامية ضد اللاجئين السودانيين من دولة جنوب السودان، وأفاد أحد سكان العاصمة جوبا عن وقوع أعمال شغب وحشود مسلحة بالمناجل تطارد اللاجئين السودانيين يوم الخميس 16 يناير 2025.
وقال لاجئ سوداني في مدينة واو إن أي شخص يبدو عربياً يتعرض للهجوم في السوق، كما يتم نهب المتاجر، ودعا رئيس جنوب السودان إلى الهدوء، وفرضت الشرطة حظر التجول على مستوى البلاد من الفجر حتى الغسق.