الأوضاعُ الإنسانية ومُعاناة النازحين بولاية غرب كردفان بسبب الحرب(١_٢)
أكثر من ٤٧٠'٧٥٥ نازحاً ونازحة تتهدّدهم المجاعة
الأوضاعُ الإنسانية ومُعاناة النازحين بولاية غرب كردفان بسبب الحرب(١_٢)
تقرير : مرصد حرب السودان
أولاً: النازحون الذين نزحوا للولاية مع بداية الحرب
مُنذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م بين الجيش والدعم السريع بالعاصمة السودانية الخرطوم ،استقبلت ولاية غرب كردفان بمحلياتها الأربعة عشر ( الفولة وبابنوسة والمجلد، والميرم والدِّبب ولقاوة وكيلك السنوط) بجنوب الولاية، و ( النهود وغبيش والخوى وودبندة وأبوزبد والأضية) بشمال الولاية، أعداداً كبيرة من النازحين بلغ عددهم ٣٣،٣١٣ أسرة بعدد أفراد ١٨٥،٧٤٦ فرد وذلك وفقاً ل ( بيانات حصر واحصاء نازحى الحرب بالولاية الصادر عن مفوضية العون الإنساني بتأريخ ٧ مارس ٢٠٢٣م) نزحوا إليها من الخرطوم، وولايات( شمال كردفان ودارفور الخمس) بعد انتقال الحرب بين الجيش والدعم السريع إليها، فضلاً عن نازحين قَدِموا إليها من ولاية جنوب كردفان عقِب اشتباكاتٍ بين الجيش وقوات الحركة الشعبية شمال/ قيادة القائد عبدالعزيز الحلو.
وجد نازحو الحرب فى ولاية غرب كردفان الملاذ الآمن الذى بحثوا عنه هروباً من قصف الطيران ودوِيُّ المدافع وقعقعة السلاح فى مناطقهم التى نزحوا منها ، لكن آلة الحرب العسكرية توسّع نطاقُ معاركها حتى وصلت ولاية غرب كردفان باندلاع المعارك بين الجيش والدعم السريع للسيطرة على الفرقة ٢٢ مُشاة ببابنوسة بتأريخ ٢٣ يناير ٢٠٢٤م، ورغم أن قوات الدعم السريع تمكّنت من السيطرة على محليتى السنوط وأبوزبد كأُولى المحليات التى سيطرت عليها بغرب كردفان مُبكِّراً إلا أن السيطرة سببها خُلو المحليتين من وجود حاميات عسكرية تتبعُ للجيش مما سهّل لها السيطرة عليها كونها تٌمثِّل الحواضن الاجتماعية لقائدى الدعم السريع ( حسين برشم والصادق ماكن) الذين صارا قائدين لقوات الدعم السريع بالمحليتين.
ثانياً : النازحون داخل الولاية بعد اتساع نطاق الحرب بها
ومرَّة أخرى تسبّب اتساع نطاق الحرب داخل إطار الولاية، وسيطرة الدعم السريع على حاميات محليتى ( الفولة والميرم) بعد معارك شرسة، وانسحاب الجيش من حاميات محليات ( لقاوة والأضية وكيلك)، تسبّب فى حدوث أكبر موجة نزوح شَهِدته الولاية منذ تأريخ تأسيسها فى العام ٢٠٠٣م فى عهد حكومة الرئيس السودانى المخلوع الفريق عمر البشير، سيِّما وأن الولاية ظلّت تشهدُ صراعاتاً قبلية باستمرار طِوال تأريخها بين مكوناتها الاجتماعية المختلفة آخرها الصِّراعَين القبليين بين ( المسيرية الزُّرق والدّاجو) فى العام ٢٠٢٢م.
وهذا الصراع أدّى الي نزوح مجموعاتٍ كبيرة من قبيلة الداجو لأول مرة إلى خارج الولاية إلى مدينتى ( كادقلى والدلنج) بولاية جنوب كردفان، والصِّراع القبلى بين ( المسيرية الزُّرق وقبيلة حَمر) فى العام ٢٠٢١م فى عهد حكومة ثورة ديسمبر٢٠١٩م المجيدةِ الأولى حول محليتى السنوط، وأبوزبد، والتى بسببها تم تكوين لجنة لترسيم الحدود بين القبيلتين برئاسة الفريق أول شمس الدين كباشى عضو مجلس السيادى الانتقالى والمُشرف على ولايات كردفان الكبري الثلاث، وأدّى ذلك النزاع القبلى الى نزوح أعداداً كبيرة من قبيلة حَمر تجاه محليات شمال الولاية.
تسبّب سيطرة الدعم السريع على بعض محليات الولاية فى حدوث موجاتٍ من النزوح داخل الولاية نحو المحليات الآمنة والقرى والفُرقان والحلال النائية بسبب تخوُّف المواطنين من قصف طيران الجيش للمناطق التى يُسيطر عليها الدعم السريع، فبلغ عدد النازحين بالولاية ٧١٠٨٤ أسرة بعدد أفراد ٤٧٠٧٥٥ فرد ( وفقاً لآخر تحديثٍ أصدرته مفوضية العون الإنسانى بالولاية كجهة فنية معنية بقضايا النُّزوح والنازحين بتأريخ ٢٨يوليو٢٠٢٤م الماضي) يتوزعون على ٩٢٣ منطقة بمحليات الولاية الأربعة عشر( مُرفق آخر تحديث صادر عن مفوضية العون الإنساني لعدد النازحين بالولاية بتأريخ ٢٨ يوليو ٢٠٢٤م).
واقعُ النازحين الإنسانى والحرمان من المساعدات
طيلة موجتى النزوح إلى محليات ولاية غرب كردفان بسبب حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م بين الجيش والدعم السريع ، لم يحظى أو يتلّقى النازحون بغرب كردفان أية مساعداتٍ انسانية حكومية من بورتسودان سوى مرةً واحدة عندما حصُل نازحوا الموجة الأولى على اغاثة من مركز الملك سلمان للمساعدات الإنسانية عبارة عن منحة دقيق قمح قدّمتها المملكة العربية السعودية للشعب السودانى، وقامت مفوضية العون الإنساني الاتحادية بطحنه بمطاحن سِين للغِلال ببورتسودان وتعبئته فى جوالات زنة ٢٥ كيلو وتوزيعه الى الولايات، كان نصيب ولاية غرب كردفان منها ٦٠طن مترى بالإضافة الى ٤٠ طن من الأرز زنة ٥٠ كيلو كمساعدة انسانية من جمهورية الصين الشعبية لمتضررى الحرب فى السودان.
قامت حكومة الولاية وقتها بقيادة الوالى معتصم عبدالسلام بسداد رسوم ترحيل لعدد ١٣ شاحنة دقيق قمح من جملة ١٥ شاحنة ( بعد قيام السلطات بمحلية أم روابة التى يُسيطر عليها الدعم السريع بانزال شاحنتين بالخطأ كانتا ضمن طوف شاحنات، ولاية شمال كردفان التى احتجزت قوات الدعم السريع منها احدى عشر شاحنة لتوزيعها لمحليتى أم روابة والرهد التابعتين لولاية شمال كردفان وتخضع لسيطرة الدعم السريع) من بورتسودان إلى الفولة من ميزانية الولاية وقدرها ٨ مليار جنيه سودانى.
وتم توصيل القمح والأرز عبر طوف حركة جيش تحرير السودان / قيادة منى أركو مناوى( وقتها كانت تتخذ موقف الحياد فى الحرب بين الجيش والدعم السريع وتقوم بحراسة قوافل المساعدات الإنسانية، وايصالها الى ولايات دارفور الخمس وولايات كردفان عبر الأبيض بمُقابلٍ مادِّىٌّ يُدفع لجنوده)، وقام وفدٌ مُشتركٌ من حكومة الولاية ممثلاً فى مفوضية العون الإنساني وقيادات الإدارة الأهلية بالتحرك للأبيض واحضار الشاحنات والتى وصلت الفولة بتأريخ ١٣ نوفمبر ٢٠٢٣م.
قامت لجنةُ الطوارئ الإنسانية بالولاية بتوزيع المساعدات الإنسانية لكلِّ محليات الولاية الاثنتى عشر بعد أن قامت وزارة المالية والقِوى العاملة بالولاية بسداد رسوم الترحيل لجميع المحليات ماعدا محليتى المجلد وبابنوسة وذلك بسبب استيلاء الدعم السريع على مدينة المجلد بعد انسحاب الجيش منها فى نوفمبر ٢٠٢٣م، وبدء ارهاصات الهجوم على قيادة الفرقة ٢٢ مشاة ببابنوسة، ونزوح سكانها جميعاً بما فيهم النازحين الذين كانت تستهدفهم المساعدات الإنسانية.
وأدّى تخزين حصتى محليتى بابنوسة والمجلد بالفولة حاضرة الولاية لتعرُّضها للسلب، والنَّهب من قِبل الجوعى من المواطنين رغم أنّها كانت مُخزّنة بمخازن تقع بالقرب من مقر حامية الفولة العسكرية مقر اللواء ٩١ التابع للفرقة ٢٢مشاة ببابنوسة.
مُنذ تلك المساعدات التى حَظت بها الموجة الأولى لنازحى الحرب، تمّ حِرمان نازحى ولاية غرب كردفان من المساعدات الإنسانية على خلفية تصنيف مُكوِّنات الولاية من قِبل حكومة بورتسودان بأنها حواضن للدعم السريع، وصّرح الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة فى حكومة انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م بتأريخ فبراير ٢٠٢٤م بأن ( لا دخول للمساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع إلا إذا وضعت سلاحها أرضاً).
رغم ان الدعم السريع وقتها لم يكن يُسيطر على ولاية غرب كردفان، بل كانت قواته تلعبُ دوراً تنسيقياً مهماً مع مكتب تنسيق الجهود الإنسانية التابع للأمم المتحدة ومفوضية العون الإنساني بولاية غرب كردفان عبر مسؤول المسارات، وإيصال المساعدات الإنسانية بقوات الدعم السريع بقطاع غرب كردفان( المقدم الصادق المهدى ختم) وعبر هذا التنسيق المُحكم مثّلّت ولاية غرب كردفان جسراً ساهم فى وصول المساعدات الطبية إلى ولايات( شرق وجنوب) دارفور قبل سقوطها فى يد قوات الدعم السريع.