تدهور مريع للغطاء النباتي جراء الحرب وسط مطالب بوقف الحرب وإتخاذ تدابير إستباقية لتعزيز السلام البيئي
إنعدام غاز الطهي وإرتفاع أسعار الفحم يضاعف من القطع الجائر للأشجار
تدهور مريع للغطاء النباتي جراء الحرب وسط مطالب بوقف الحرب وإتخاذ تدابير إستباقية لتعزيز السلام البيئي
مرصد حرب السودان : تقارير
إنعدام غاز الطهي بعد أشهر قليلة من إنداع حرب 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الداعم السريع وحتي الان ، بسبب إنهيار البنية التحتية الاقتصادية وتوقف عمل الشركات والموردين فى مناطق النزاع، تسبب فى لجوء المواطنين للإعتماد الكامل على إستخدام الفحم والحطب فى طهي الطعام، الأمر الذي ضاعف عمليات القطع الجائر للأشجار فى معظم انحاء السودان دارفور ، كما ان إرتفاع أسعار الفحم والحطب جعل من إنتاج الفحم وقطع الاشجار تجارة رائجة.
تقول سلوي ادم عبدالله ربة منزل بمدينة الضعين بولاية شرق دارفور ل ’’ سودان وور منيتور‘‘ ان غاز الطهي غير موجود كالمعتاد فى الأسواق، وأنهم تحولوا بشكل كامل لإستخدام الفحم، والحطب فى طهي الطعام ، مضيفة إلى ان انعدام الغاز أدي الى إرتفاع أسعار الفحم، والحطب.
تآكل التربة وتقليل خصوبتها
في ذات السياق، سامية محمد، جامعة بحري كلية الموارد الطبيعية قسم الغابات تقول ل ’’ سودان وور منيتور‘‘ ان إنعدام الغاز فى معظم انحاء السودان بسبب الحرب أدي الى التركيز الكلي للإعتماد على الفحم، والحطب كبدائل فى عملية الطهي، والذي أدى بدوره إلى القطع الجائر للغابات، مضيفة ان القطع الجائر للغابات، وإزالة الغطاء النباتي له اثار أضرار كبيرة منها إختلال التوازن المناخي، زيادة الإحتباس الحراري، وتآكا التربة مما يودي إلى تقليل خصوبتها.
التأثير علي الغطاء النباتي في شرق دارفور
بينما أوضح يحى محمد عيسي مساعد المدير الإداري للغابات بولاية شرق دارفور ان شرق دارفور تمتاز بوجود غطاء نباتي، كثيف إلا ان الإعتماد على الفحم، والحطب كوقود فى الطبخ، والأشجار فى البناء كان له تأثير كبير فى تقلص الغطاء النباتي، مشيرا الي ان دخول الغاز كوقود للضبخ بدلا من الفحم الأمر الذي حد من القطع الجائر للأشجار.
وتابع عيسي ان الحرب التي إندلعت فى 15 أبريل بين الجيش، والدعم السريع أدت إلى إزدياد عدد السكان فى شرق دارفور بسبب النزوح، وإنعدام غاز الطهي فى معظم أسواق المدن فى السودان، ومن ضمنها مدينة الضعين، قد أجبر السكان فى المدنية إلى اللجوء لإستخدام الفحم، والحطب بشكل كامل فى الطبخ وهذا أثر بشكل كبير على الغطاء النباتي.
انعدام الغاز في جنوب دارفور
أما غادة عبدالله من جنوب دارفور قالت ل ’’ سودان سودان وور منيتور ‘‘ ان الغاز أصبح شبه معدوما، وأصبح السكان يعتمدون بشكل كامل على الفحم، والحطب فى طهي الطعام ، مشيرة إلى إرتفاع أسعار الفحم الا أنه لا بديل لإستخدامه فى الطهي فى كل انحاء الولاية، مما ضاعف استخدامه من قبل السكان.
وتابعت غادة ’’ لو ضربنا مثل باسرة صغيرة متوسطة الحجم قبل الحرب كان أقل من نصف جوال من الفحم مع الغار يكفيها لمدة شهر ‘‘، أما الان ذات الاسرة تستهلك من 3 الى اربع جوالات من الفحم خلال الشهر الواحد، بعد أن كانت تستهلك ما لا يزيد عن نصف جوال من الفحم مع وجود الغاز.
إرتفاع اسعار الفحم وتهريبه يضاعف من القطع الجائر لاشجار
أدي الارتفاع المبالغ لاسعار الفحم فى دارفور إلى التنافس فى القطع الجائر للأشجار وسط السكان المحليين، والتجار الذين فقدوا العديد من مجالات التجارة الاخري بسبب الحرب ، فضلا عن ان إنعدام غاز الطهي، جعل من الفحم، والحطب الوسيلة الوحيدة لطهي الطعام، وأصبحت تجارة الفحم تجارة رأئجة، وذات عائد سريع، كما ان غياب الحكومات فى دارفور قد ضاعف من التهريب الفحم، والأخشاب إلى دولة تشاد.
تجارة الفحم مصدر مربح للتجارة
وذكر عمر محمد على وهو تاجر، ومورد للمواد التموينية بمدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور ، أنه قد توقف من العمل فى إستجلاب المواد التموينية من الخرطوم، بسبب الحرب، وإغلاق الطرق، وكاد أن يفقد تجارته، ويخرج من السوق بشكل كامل، لولا ما أسماه بفرصة العمل فى تجارة الفحم.
وتابع على فى حديثه ل ’’ سودان وور منيتور ‘‘ ان جلب الفحم من القري، والمحليات أصبح مصدر تجارة مربحة له، ولعدد من زملائه التجار الذين فقدوا رؤس اموالهم بسبب الحرب، مبينا أنهم يقومون بشراء كميات كبيرة من الفحم من السكان المحليين الذين نشطوا فى عمل (كمائن) الفحم على نطاق واسع، ويقومون بترحيله اى المدن لبيعه بأسعار مجدية.
ارتفاع الفحم يشجع السكان المحليين
فيما أكد المواطن عزالدين صديق من نيالا ل ’’ سودان وور منيتور ‘‘ ان إرتفاع سعر جوال الفحم فى نيالا الى 11 الف جنيه، بعد أن كان جوال الفحم فى مدينة نيالا بألفين جنيه فقط قبل الحرب، مضيفا ان إرتفاع أسعار الفحم شجع السكان المحليين إلى مضاعفة قطع الأشجار لإنتاج الفحم، وبيعه للتجار الذين يقومون بترحيله إلى المدن وبيعه بأسعار مرتفعة.
وكشف صديق عن ان الشاحنات التجارية الكبيرة التي تنقل البضائع من دولة تشاد، تعود أدراجها محملة بشحنات كبيرة الى دولة تشاد عبر معبر أدري الحدودي بغرب دارفور.
تراجع مخيف فى الغطاء النباتي بسبب نزوج ملاليين السودانيين جراء الحرب
يشهد الغطاء النباتي فى السودان تراجع مخيف جراء نزوح ملايين السودانيين من مناطقهم، إلى المناطق الأكثر امنا بسبب الحرب الدائرة فى البلاد، مما خلف اثار كبيرة لصالح تمدد التصحر، وإزالة الغطاء النباتي فضلا عن الإختلال البيئي، والتغير المناخي الذي سيكون له أضرار بالغة على مستقبل الاجيال القادمة، كما ان له تأثيره السالب على التماسك الاجتماعي، بسبب الصراع على الموارد المحدودة الذي قد ينشب بين النازحين، والمجتمعات المضيفة.
وأدت الحرب الحالية إلى تغيير نمط حياة معظم السودانيين، بما في ذلك ثقافة الغذاء، بعد فقدان أكثر الناس وظائفهم وأعمالهم التجارية، ما يزيد من إستخدام حطب الأشجار بإعتباره وقوداً مجانياً، ولا شك في أن تزايد قطع الأشجار سيقود إلى تغيير بيئي خطير.
ازمات انسانية بعيدة المدي
وقال عبد الفتاح حامد وهو استاذ زائر مبتدئ فى مجلس الشرق الأوسط للشؤن الدولية، ان الهجرة الناجمة عن الصراع، أجبرت أكثر من ستة ملايين سوداني على الفرار من منازلهم، مما ادي الى أزمة إنسانية ذات آثار بيئية بعيدة المدى.
وتابع حامد تدفق النازحين داخليا إلى المجتمعات الضعيفة أساسا يؤدي إلى التنافس على الموارد المحدودة، وتحديدا الأراضي الخصبة، والمياه ، ويمكن أن يؤدي هذا التنافس إلى تصاعد التوترات، ونشوب الأعمال العدائية بين المجموعات المختلفة، والتي تتفاقم بسبب الإنقسامات السياسية، والقبلية، والإثنية القائمة مسبقا، بالإضافة إلى زيادة التدهور البيئي، مضيفا بأن الصراع الحالي تسبب فى النزوح على نطاق واسع، وتعد زيادة إستخدام الفحم والحطب كوقود من النتائج المباشرة على البيئة.
زيادة اعداد السكان في شرق دارفور
بينما أكد يحى محمد عيسي مساعد المدير الإداري للغابات بولاية شرق دارفور، أن الزيادة الكبيرة فى أعداد السكان فى شرق دارفور جراء النزوج بسبب الحرب الدائرة فى البلاد، ضاعفت من إزالة الغطاء النباتي فى الولاية، وتقلص المساحات الغابية، وذلك للإعتماد الكلي للسكان على الفحم، والحطب لطهي الطعام، وبشكل جزئي على بناء المنازل، والمأوي من قطع الاشجار.
جفاف وموت للأشجار بفعل الزخائر والمتفجرات فى جنوب دارفور
أظهرت صور إلتقطتها كاميرا ’’ سودان وور منيتور ‘‘ بحي خرطوم بالليل بمدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور عدد كبير من الأشجار التي تعرضت للجفاف، والموت الكامل، واخري تعرضت إلى جفاف جزئي، كما تداول ناشطين صورا اخري لنفوق لعدد من الحمائم بفعل القذائف فى حي الإمتداد بمدينة نيالا، وسط مخاوف من التاثيرات البيئية الكبيرة للحرب.
وذكر عدد من المواطنين من حي خرطوم بالليل ان عدد كبير من أشجار الفايكس تعرضت للجفاف، بعد نهاية المعارك العنيفة التي دارت لأشهر بين الجيش، والدعم السريع فى الحي، والتي ساتخدم فيها للقذف المدفعي المكثف لأشهر، وأنهم لاحظو بعد عودتهم إلى منازلهم بعد سقوط الفرقة 16 مشاة، ان عدد كبير من الأشجار قد بدأت تجف تدريجيا، وأخرى قدت جفت بشكل كامل.
توعية المواطنين بمخاطر قطع الاشجار
وقال الدكتور حمدي عبدالنبي عبدالله ناشط في مجال الإشعاع الطبيعي وكيمياء المياه ومعالجتها، ان الإنبعاثات والغازات الناتجة من الذخائر، والقذائف تسببت في موت الاشجار، وهذا يظهر بشكل ملحوظ في أماكن عديدة في نيالا، مضيفا انه من معروف ان النباتات، والأشجار تخلق توازن بيئى بشكل كبير، وان موت الأشجار له تأثير كبير جدا في البيئة، ويمكن يكون سببا في إرتفاع في درجة الحرارة، وقلة الامطار، ويسبب التصحر كذلك.
وتابع حمدي كمثال طريق نيالا كاس شهد تدهور كبير بالنسبة للغطاء النباتي بسبب القطع الجائر، ويرجع ذلك لقلة الدخل الإقتصادي بالنسبة للسكان، بسبب الحرب التي أدت إلى فقد وسائل الانتاج، وتوقف المصانع، والشركات، وإنعدام الغاز فعاد الناس إلى الإعتماد على الفحم والحطب فى الطهي، والتجارة مما ذاد من القطع الجائر، والعشوائي للأشجار، وهذا بدوره تسبب فى فى تدهور كبير لغطاء النباتي.
وناشد حمدي الجميع بالعودة إى الغاز البديل (بايو غاز) والذي يصنع من روث الحيوانات للحد من القطع الجائر للأشجار، مشيرا إلى ضرورة توعية السكان المحليين بمخاطر القطع الجائر للاشجار، وتدهور الغطاء النباتي لما له من إرتباط وثيق بالزحف الصحراوي.
مطالب بوقف الحرب وإجراء تدابير إستباقية لتعزيز بناء السلام البيئي
يطالب طيف واسع من السودانين بالوقف العاجل للحرب الدائرة فى البلاد، إستجابة للأوضاع الانسانية العاجلة، والملحة التي يعيشها السودانين، والتي أوصلت ملايين السودانيين على حافة المجاعة، فيما يعاني الالاف من الجوع، وسط مناشدات من المجتمع الدولي، والاقليمي لطرفي الحرب بالجلوس للتفاوض، من اجل مخاطبة مأساة السودانيين الذين فروا بالملايين فى الداخل والخارج.
وطالب كل من تحدثوا إلى ’’ سودان وور منيتور ‘‘ فى هذا التقرير بوقف الحرب حتي لا يصل الأمر إلى إزالة الغطاء النباتي الذي ستحصد اثاره الكارثية الأجيال القادمة.
اتخاذ تدابير استباقية لتعزيز بناء السلام البيئي
فيما أوضح الاستاذ عبد الفتاح حامد وهو أستاذ زائر فى مجلس الشرق الاوسط للشؤن الدولية، ان الحرب تسببت فى أزمة إنسانية حادة تؤدي إلى تداعيات بيئية غير مسبوقة، بالإضافة الى طيف تغير المناخ الذي يلوح فى الأفق، وتابع حامد، تتخطي الخسائر البيئية الناجمه على الصراع المخاوف المباشرة لتتغلغل فى النظم البيئيه الضعيفة، وتفاقم تأثر المناخ.
وطالب حامد بإتخاذ تدابير إستباقية لتعزيز بناء السلام البيئي، تبدأ بإيقاف الحرب الحالية وتطوير نظام إنذار مبكر للأزمات المرتبطة بالمناخ، مشيرا إلى ضرورة تبني نهج شامل يشدد على الترابط بين المخاوف البيئية، والإنسانية، والأمنية، مما يتطلب زيادة الموارد المالية، وتحسين الحوكمة، وتنسيق الجهود بين الوكالات الحكومية، والشركاء الدوليين.
تآكل مساحات الغابات بشكل متسارع
وأشار تقرير فى نوفمبر 2022 نشرته اسكاي نيوز إلى فقد السودان خلال العقود الثلاث الماضية أكثر من 60 في المئة من غطاءه الشجري، حيث تتآكل مساحات الغابات بشكل متسارع بسبب التحطيب الجائر للحصول على أرباح سريعة من الأخشاب كبيرة العائد، تقدر تقارير حجم العوائد التي حصلت عليها مجموعات تجارية، ونظامية من الإستغلال غير القانوني لأخشاب الغابات بأكثر من 10 مليارات دولار خلال الأعوام الثلاثين الماضية.
إضافة إلى فقدان الخزينة العامة لعائدات قدرت بنحو 20 مليار دولار بسبب القطع المفرط لأشجار الهشاب والشنط المنتجة للصمغ إضافة إلى أشجار أخرى تنتج منتجات تصديرية مهمة.
تابع التقرير انه إلى جانب الخسائر الإقتصادية الضخمة، يشير الخبراء إلى الأضرار البيئية، والإجتماعية، والأمنية البالغة الخطورة الناجمة عن فقدان جزء كبير من الغطاء الأخضر في البلاد،.
وكشف التقرير ان تلك الأسباب أدت إلى زوال غابات بأكملها في العديد من مناطق غرب ووسط وجنوب البلاد، ما أدى إلى نتائج كارثية وتدهور بيئي شامل قاد إلى التصحر وتدهور الإنتاج الزراعي.
بالاضافة الى تفاقم الأمر أكثر بعد إزالة مساحات كبيرة من الغابات بغرض التعدين ولاستكشافات النفطية، كما أسهمت الحروب والنزاعات في إزالة مساحات كبيرة من الغطاء الشجري في مناطق النيل الأزرق وغرب البلاد.