عناصر من جهاز المخابرات السوداني يعدمون 3 سجناء مفتخرين بذلك
تحديد الموقع الجغرافي، الخرائط، وتحديد الملابس مكننا من تحديد هوية الجناة
تحقيق
قام أفراد من جهاز المخابرات العامة وشرطة الاحتياطي المركزي، وهي قوات شبه عسكرية تابعة للقوات المسلحة السودانية، بإعدام ثلاثة معتقلين في أم درمان وصوروا أنفسهم وهم يقومون بذلك.
يظهر مقطع فيديو لعملية الإعدام، تم الحصول عليه من قنوات تيليجرام، أن الضحايا كانوا معصوبي الأعين، وجردوا من ملابسهم جزئيا (معصوبي الأعين، بسراويل مدنية، عاري الصدور، وحافي الأقدام وتظهر إصابة بقدم أحدهم وتلقيه لإسعافات أولية بها)، وأُجبروا على الاستلقاء في حفرة ترابية قبل إطلاق النار عليهم.
وعلى الرغم من النفي الرسمي للمسؤولية من قبل المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية والمحاولات على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة الفيديو، فقد توصل تحقيقنا بشكل قاطع إلى أن المقاتلين التابعين للقوات المسلحة السودانية كانوا مسؤولين عن الإعدام.
لقد استندنا في هذا الاستنتاج إلى تحديد الموقع الجغرافي للفيديو، ورسم خرائط لمناطق السيطرة، وتحديد الزي الرسمي للجناة، والكلمات التي قالها الجناة أنفسهم، الذين استخدموا خطابا نمطيا للقوات المسلحة السودانية والقوات الموالية لها.
وهذه هي أحدث حالة من بين عدة حالات موثقة لإعدام سجناء على يد طرفي النزاع، فضلا عن الانتهاكات الجسيمة المتمثلة في التعذيب، الضرب، الجلد، التجويع والحرمان من العلاج. وقد تعرض المعتقلون المدنيون والعسكريون على حد سواء لانتهاكات شديدة من قبل الجانبين، ويحتجز الآلاف في ظروف غير إنسانية، وفقا لمراقبي حقوق الإنسان السودانيين.
وفي هذه الحالة لم تتضح هوية الضحايا الثلاث. وقال منفذو الإعدام إنهم قناصون يتبعون لقوات الدعم السريع. لكن قوات الدعم السريع، من جانبها، نفت ذلك، قائلة بأنه تم: (تصفية ودفن ثلاث شباب بأمدرمان على أساس عنصري بغيض بزعم انتمائهم لقوات الدعم السريع ). والجدير بالذكر أن الضحايا كانوا يرتدون سراويل مدنية، وليست باللون الكاكي العسكري.
وفي كلتا الحالتين، فإن قتل المعتقلين – سواء كانوا مدنيين أو أسرى حرب – يعد جريمة حرب. بالإضافة إلى ذلك، بموجب القانون السوداني، يعاقب قتل أسير الحرب أو المدني بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما.
زي الجناة
ويظهر في الفيديو ما لا يقل عن أربعة من الجناة، بما في ذلك الشخص الذي قام بالتصوير. يرتدي اثنان منهم ملابس هيئة العمليات، وهي قوة تابعة لجهاز المخابرات العامة (المعروف سابقا باسم جهاز المخابرات والأمن الوطني).
ورغم أن هيئة العمليات سبق أن تم حلها قبل الحرب، إلا أنها أعيد تشكيلها بعد اندلاع الصراع في أبريل/نيسان الماضي، وهي تنشط على الخطوط الأمامية وسط أم درمان، وتقاتل إلى جانب شرطة الاحتياطي المركزي والقوات المسلحة السودانية.
تشير مقارنة صور أعضاء هيئة العمليات المأخوذة من مصادر أخرى (الصف السفلي من الصور أدناه) مع صور الجناة (الصف العلوي) إلى أن الجناة يرتدون الزي المخصص لهيئة العمليات.
وكان مرتكب الجريمة الآخر يرتدي زي شرطة الاحتياطي المركزي، وهو نمط كاكي مع علامات كتف سوداء. ارتدى الجاني الرابع قميص بولو أسود مع بنطال كاكي من نفس نمط زي شرطة الاحتياطي المركزي.
ومن بين المجموعتين الظاهرة في الفيديو – شرطة الاحتياطي المركزي وهيئة العمليات – يبدو أن الأخيرة تلعب الدور القيادي. وكان المتحدث باسم فرقة الإعدام والمصور من أعضاء هيئة العمليات.
فيديو جريمة الحرب
وقبل إطلاق النار، تحدث المتحدث باسم المجموعة أمام الكاميرا (دقيقة 01:00) قائلا :(ديل مرتزقة خونة ربنا جابهم لينا، قناصين، أخذوا ما أخذوا من الأرواح واغتصبوا ما اغتصبوا) ويستدير مع أثنين من رفاقه ويطلقون ثلاثتهم نحو 30 رصاصة على الأسرى بالحفرة مرددين هتافات وعبارات مثل (قناصين كلاب) و(الله أكبر عليهم) و (الله أكبر).
⚠️ محتوى مزعج ودموي؛ ينصح بالاحتياط
وعندما توقف إطلاق النار (دقيقة 1:52)، أشار أحدهم بأن أحد الأسرى لم يمت مستخدما عبارات غير لائقة (اللوطي ده ما مات) ليتواصل حمام الدم بزخات من الرصاص ليصل مجموع الطلقات الكلي إلى نحو 50 طلقة أو يزيد.
تشير حالة السجناء قبل إعدامهم إلى أنهم ربما تعرضوا للضرب والتعذيب و/أو التخدير. وكان أحدهم يضع ضمادة على قدمه. وتحركوا ببطء ولم يحاولوا الركض قبل/بعد إطلاق الطلقة الأولى.
تحديد موقع الفيديو
تم تصوير عملية الإعدام في شارع ترابي ضيق تصطف على جانبيه المخازن والمحلات التجارية. بصريا، لا توجد معالم واضحة في هذه المنطقة، لكن وجود خزان سوائل وسط الزقاق كان أمرا مميزا.
إلى جانب ما رشح لاحقا من الحسابات الموالية لقوات الدعم السريع بأن أحد منفذين الإعدام يعمل بمقر رئاسة شرطة الاحتياطي المركزي بأم درمان، أتاح هذا تقليص خيارات البحث في المنطقة الصناعية أم درمان وتحديد الموقع الجغرافي: 15.664406، 32.477236، وهو على بعد 70 متر من مقر شرطة الاحتياطي المركزي في أم درمان.
كانت المنطقة تستخدم في السابق من قبل ورش إصلاح السيارات وتجار الجملة، ولكن هذه الورش أصبحت مهجورة الآن.
يستمر القتال في هذه المنطقة منذ أشهر، بما في ذلك في منطقة أم درمان الصناعية وسوق أم درمان الشعبي إلى الغرب، وفي الأحياء السكنية إلى الجنوب والشرق. لقد تمكنا من رسم خريطة لخط المواجهة في أم درمان من خلال تحديد الموقع الجغرافي لمقاطع الفيديو القتالية، ومن خلال مصادر أخرى.
الخريطة تقريبية فقط، وقد تركت بعض المناطق بدون تلوين للإشارة إلى أنها متنازع عليها أو غير مؤكدة. ومع ذلك، يمكننا أن نقيم بثقة أن مقر شرطة الاحتياطي المركزي والمناطق المحيطة به مباشرة يخضع لسيطرة القوات المسلحة السودانية منذ 5 يوليو 2023. وبالتالي، تم تنفيذ الإعدام في الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، على يد رجال يرتدون زي الأجهزة الأمنية المرتبطة بالقوات المسلحة السودانية.
مقتل أسرى من الجيش في مكان قريب
ظهر مقطع فيديو الإعدام هذا في 3 أكتوبر/تشرين الأول، بعد حوالي أسبوع من الغضب العام الذي أثاره (⚠️ فيديو حساس ودموي) مقطع فيديو آخر لمقاتل من الميليشيات التابعة لقوات الدعم السريع يقتل اثنين من أسرى الجيش في سوق أم درمان الشعبي على بعد 1.1 كيلومتر فقط من مكان موقع هذا الإعدام.
تاريخ هذا الفيديو غير مؤكد، لكن عمود الدخان الذي يظهر في الخلفية يتوافق مع بيانات الحرائق الواردة من نظام الأقمار الصناعية ناسا فيرمس NASA FIRMS في 19 سبتمبر 2023. ويشير القرب من مقطعي الفيديو، سواء من حيث التاريخ أو الموقع، إلى أن هذا القتل ربما تم انتقاما من قوات الدعم السريع، وهو ما يدعمه إطلاق النار بكثافة غير مبررة 50 طلقة.
لعبة اللوم
في مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة للقوات المسلحة السودانية، تمت مشاركة فيديو الإعدام الجديد هذا بفخر في البداية بينما كان المؤيدون يشمتون بجرائم القتل. ومع ذلك، وصل الفيديو في النهاية إلى جمهور أوسع وبدأت قوات الدعم السريع في استخدامه لأغراض دعائية خاصة بها.
بعض القنوات الموالية للقوات المسلحة السودانية التي نشرت الفيديو أولا قامت بحذفه لاحقا. نظم المؤثرون المؤيدون للقوات المسلحة السودانية حملات رسائل لمحاولة فصل الجيش عن عملية الإعدام والتشكيك بالفيديو. وتداولوا عدة تفسيرات بديلة لما حدث. على سبيل المثال، زعموا أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات القتل متنكرة، بهدف تشويه سمعة القوات المسلحة السودانية.
وتبنى البيان الصادر من مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، هذا الخط من الحجاج في بيان صدر ليلة 5 أكتوبر 2023 باللغة العربية والإنجليزية (كما درج على ذلك عند تعلق الأمر بجريمة حرب)، بحسب ما جاء في البيان: (روجت غرف الإعلام المأجورة لمليشيا الدعم السريع المتمردة، فيديو مفبرك لأسرى يتم تصفيتهم بدم بارد، وهو فيديو لا علاقة له بالقوات المسلحة من حيث مكان التصوير واسلوب المتحدثين الذي يشير بوضوح إلى أنهم من عناصر المليشيا سيئة الذكر).
وزعم البيان أن الضحايا هم جنود من القوات المسلحة السودانية قتلوا على يد قوات الدعم السريع، وليس العكس. بحسب ما ورد في البيان: (والحقيقة أن الأسرى الذين تمت تصفيتهم هم جنود يتبعون للقوات المسلحة قامت المليشيا بأسرهم في أوقات سابقة).
(القوات المسلحة السودانية معروفة بسجلها الناصع في احترام القانون الدولي الإنساني وأعراف وقوانين الحرب وتقيدها الصارم بقواعد الاشتباك)
من بيان مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية
وردت منظمة "محامو الطوارئ"، وهي منظمة سودانية غير ربحية ذات خبرة في توثيق الانتهاكات ضد المعتقلين، على هذا البيان قائلة: (أصدر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بيانا مخيبا في الخامس من أكتوبر ينفي فيه أي صلة للقوات المسلحة بالأفراد منفذي الجريمة تملصا من المسئولية، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه التحفظ على المجرمين حتى يتم تقديمهم للعدالة لاحقا وهم معلومون بالنسبة للاستخبارات العسكرية وأحدهم ينتمي لكتيبة تقاتل إلى جانب القوات المسلحة. وآخرون يرتدون زي هيئة العمليات المحلولة).
وأضاف البيان:( إننا ندعو في محامو الطوارئ القوتين المتنازعتين بالتقيد الصارم بالقانون الدولي الإنساني ونحذرهم أن هذه الجرائم الموثقة لن تسقط بالتقادم ولن تنجح عمليات التملص منها بأي شكل من الأشكال).
مرصد حرب السودان مستقل وغير تابع لجهة، ونغطي الجانبين
سعت الديكتاتورية العسكرية في السودان منذ فترة طويلة إلى قمع التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان. نقوم بإعداد تقارير مستقلة عن جرائم الحرب التي يرتكبها كلا الجانبين في الصراع الحالي. على الرغم من أن العديد من تقاريرنا الأخيرة تناولت الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، إلا أننا لم نتحرج من الإبلاغ عن الجرائم التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك الحالات السابقة لعمليات إعدام مؤكدة أو مشتبه بها للمعتقلين، فضلا عن القصف العشوائي.
وعلى عكس مروجي الدعاية المتطرفين على جانبي هذه الحرب، فإننا نروي القصة كاملة - وليس جانبا واحدا فقط - ولا نختلق أو نضلل.
يمكنك دعم مهمة المراقبة المهمة هذه عن طريق التسجيل للحصول على اشتراك مجاني أو مدفوع، أو من خلال مشاركة هذه المقالة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عن طريق إرسالها بالبريد الإلكتروني إلى زميل أو صديق. لاحظ أن مقالاتنا غالبا ما تكون مصورة ومزعجة وليست مناسبة للجميع.