إستمرار التعدي على المدنيين وممتلكاتهم وقتلهم وتهجيرهم بواسطة قوات الدعم السريع والجيش السوداني (معا) على إمتداد السودان، وخصوصا في مناطق الحرب الحالية في كل من العاصمة السودانية وكردفان ودارفور يعيد إلى الأذهان أسوأ سنوات العيش مطلع الألفية لأهالي دارفور بصورة عامة، ويظهر للعالم أجمع حجم الفظائع التي كانت ترتكب بواسطة هذه القوات مجتمعة ضد الأهالي في أماكن الحرب المعروفة طوال تاريخ الحرب في السودان، إلا أن ممارسات قوات الدعم السريع في كل من مدينة الجنينة حاضرة غرب دارفور و مدينتي كتم وطويلة بشمال دارفور وما حدث من قصف المواطنين المتعمد بواسطة طيران ومدفعية الجيش في كل من منطقة مايو وشرق النيل والأزهري والكلاكلة لهو إستنساخ كامل وتكرار للعنف الذي شهدت خلاله دارفور جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتي إستنادا عليها أصدر مجلس الأمن الدولي قراراته (١٥٩١) و (١٥٩٣) في العام ٢٠٠٥م، و أحال بموجبها قضية جرائم دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية ومن ثم المطالبة بملاحقة الرئيس المعزول عمر البشير (حينها) وعدد من قادة النظام السابق والجنجويد، حيث يحاكم حاليا أحد قادة الجنجويد بذات الجرائم أمام المحكمة الدولية وهو السيد علي عبدالرحمن كوشيب والذي كان أحد أعمدة الجريمة بمنطقة وادي صالح بوسط دارفور.
حرب الخرطوم
بتاريخ اليوم الموافق ١ يوليو ٢٠٢٣م تكون حرب الخرطوم قد دخلت يومها الخامس والسبعون دون أي إرهاصات تشير إلى وقف الحرب بصورة عامة وخصوصا مع تزايد حالة الإستقطاب العسكري و المجتمعي بين الأطرف المتحاربة. وقد بات جليا من خلال تسجيلات قادة الجيش منهم الفريق ياسر العطا الذي يرى أن المخرج الوحيد للأزمة هو الحسم العسكري حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير كل شيء بما ذلك المناطق السكنية، وكذلك حديث الفريق عصام الدين كرار الذي يدعو إلى تجنيد جهوي تحت دعوة البرهان العمومية للشباب ليلة عيد الأضحى (٢٧ يونيو ٢٠٢٣م) إلى حمل السلاح إستطاع ذلك وتبليغ أقرب وحدة عسكرية للجيش بغرض قتال قوات الدعم السريع، الأمر الذي لقي إستجابة البعض.
و بينما يحاول كل طرف إلقاء اللوم على الطرف الآخر في إشعال هذه الحرب - منذ الخامس عشر من أبريل حيث الطلقة الأولى بالمدينة الرياضية بسوبا -، إلا أن الطرفين كانا على أهبة الإستعداد لها وعلى دراية بوقوعها، حيث إمتدت الحرب في ساعات قليلة إلى عدد من الأماكن داخل الخرطوم والمدن الأخرى في كل من مروي، الفاشر ونيالا تلتها بقية المدن، وهي في ذلك كانت أقرب إلى حرب جنوب السودان التي إشتعلت في ديسمبر ٢٠١٣م من العاصمة جوبا. و لا تزال أطراف الحرب في الخرطوم تتمسك بأجندتها في العملية السياسية بإعتبارها السبب الرئيس للحرب، حيث يحاول كل طرف إستغلال العملية لمصلحته وإحراز نقاط تقدم على الطرف الآخر وهو ما يظهر في بيانات الدعم السريع التي يتم تذييلها بعبارات التحول الديمقراطي في إشارة إلى الاتفاق الإطاري الذي وقعه المكون العسكري (القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع) مع القوى السياسية والمدنية على رأسها تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في الخامس من ديسمبر ٢٠٢٢م رغم رفضه من تحالف قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) القريب إلى الجيش مضافا إليها كل من الحزب الشيوعي السوداني و حزب البعث العربي، وبعض من قوى المجتمع المدني في كل جانب.
تحاول قيادة الجيش السوداني التي تسيطر عليه قوى الإسلام السياسي المضادة لثورة ديسمبر (٢٠١٨م) المدنية السلمية - التي أنهت حكم الإسلاميين في السودان بعد ثلاثين عام في أبريل ٢٠١٩م - تحاول مرارا إقحام قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ولجان المقاومة في صف قوات الدعم السريع حتى يبرر الجيش تنصله وتخلصه من العملية السياسية التي نصت في ذات الاتفاق الإطاري على خروج الجيش من العملية السياسية بصورة نهائية بعد أن سيطر الجيش على السلطة لاكثر من ٥٥ عاما من جملة ٦٧ عاما منذ إعلان إستقلال السودان في الأول من ينائر من العام ١٩٥٦م.
وفي المقابل تحاول قوات الدعم السريع إخفاء أجندتها خلف الاتفاق الإطاري حيث لا تزال تتمسك بذات خطاب التسوية السياسية الذي نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش، الأمر الذي تراه قيادة الجيش مهددا لها لكونه يشترط إجراء إصلاحات شاملة في القوات المسلحة من بينها إخراج العناصر الإسلامية المعادية للثورة وإنهاء هيمنة المجموعة الموالية للجنرال عبدالفتاح البرهان القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة الذي ظل يرفض عملية إصلاح القوات المسلحة وإعتبار ذلك أمر مهدد للأمن القومي.
سيطرة الأجندة السياسية على حرب الخرطوم جعلتها تتركز بصورة أساسية على المواقع الإستراتيجية بحيث يسعى كل طرف إلى فرض سيطرته على الأماكن الحيوية والإستراتيجية مثل المواقع العسكرية بما في ذلك القيادة العامة للجيش والوحدات الأخرى التابعة له من جهة ومقرات قوات الدعم السريع العسكرية من جهة أخرى إضافة إلى المطارات ومقرات التصنيع الحربي ومباني القصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون والكباري التي تربط بين مدن العاصمة القومية (الخرطوم - أم درمان - بحري.
ومع أن الحرب في الخرطوم قد إنحصرت بصورة أساسية بين الأطراف المتحاربة، إلا أن هناك العديد من الضحايا من المدنيين الذين إما سقطوا عرضا جراء تبادل النيران أو أؤلئك الذين تم إستهدافهم بصورة مباشرة من طرفي الحرب. حيث أكدت التقارير الطبية وتقارير لجان المقاومة مقتل أكثر من الف شخص و إصابة ما يزيد عن أربعة الاف آخرين من المدنيين علاوة إلى العشرات من حالات الإعتداء الجنسي ضد النساء بواسطة منسوبين للجانبين.
هذا، وقد أثبتت تقارير أخرى متعددة ضلوع الأطراف المتحاربة في إنتهاكات مستمرة ضد المدنيين في مدن العاصمة الثلاثة، رغم محاولة كل طرف التنصل من المسئولية وإلقاءها على الطرف الآخر. فمثلا، هناك تقارير مؤكدة عن إستيلاء قوات الدعم السريع على عدد من المنازل خصوصا في حي المطار والعمارات وحي خرطوم (٢)، وأحياء بري بمدينة الخرطوم، وعدد من المنازل في حي كافوري بكوبر، إضافة إلي التعدي الجسدي المباشر والإنتهاكات الجنسية وملاحقة الناس على أساس إنتماءهم الجغرافي والإثني. وبالمقابل تقوم القوات المسلحة السودانية بقصف الأماكن السكنية بصورة متعمدة تحت ذريعة تواجد قوات الدعم السريع بها كما حدث في مستشفى شرق النيل منتصف شهر مايو الماضي ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين الذين كانوا بالقرب وإحداث أضرار بالغة بالمشفى نفسه، وكذلك قصف منطقة (سوق عذبات) باليرموك بتاريخ ١٧ يونيو ٢٠٢٣م ومقتل عدد كبير من المواطنين وتدمير السوق وبعض من الجوار السكني الذي شيد في معظمه من المواد المحلية، فيما إعتبر عدد من المراقبين القصف المدفعي لسوق ستة بمنطقة مايو بواسطة القوات المسلحة من منطقة الشجرة العسكرية أمر متعمد لكون المنطقة تخلو من أي تواجد لقوات الدعم السريع حيث أدى القصف المدفعي حينها إلى مقتل أكثر من ١٨ شخص وإصابة العشرات، وكذلك إستهداف الطيران لسوق المويلح للماشية حيث قتل على الأقل ١١ من التجار في الحال وعدد كبير من الماشية والإبل بتاريخ ٧ يونيو ٢٠٢٣م، هذا علاوة على قصف طيران الجيش مقر المنظمة الإفريقية للأمومة والطفولة التي تؤوي عدد كبير من اللاجئين الكنغوليين بتاريخ ٤ يونيو ٢٠٢٣م ومقتل عدد من المدنيين بينهم أطفال، فيما رصدت عدد من حالات القصف العشوائي للمناطق السكنية بواسطة الطيران العسكري للجيش في كل من الكلاكلة و بري و أم درمان حيث مقتل الفنانة الشعبية شادي حسين إثر غارة جوية يوم ١٣ مايو ٢٠٢٣م في أم درمان. أيضا، فقد أظهرت بعض مقاطع الفيديو والصور إرتكاز بعض الجنود التابعين للجيش السوداني في عدد من إسطح المنازل بالخرطوم على غرار ما تفعل قوات الدعم السريع، و هو ما يعكس العقيدة المشتركة وتطابق قواعد الإشتباك غير المضبوطة لدى الجانبين، أي أنه لا توجد أي قوانين متبعة في هذه الحرب كما لا يضع المتحاربين أي حساب للمواطن أو المرافق المدنية والخدمية.
الحرب في كردفان ودارفور
وعلى خلاف محركات حرب الخرطوم، فإن الحرب في دارفور تحركها عوامل متداخلة رغم أن العامل الرئيس فيها هو حرب الخرطوم (حرب الجيش والدعم السريع). حالة الإحتقان المجتمعي بسبب الحرب الدائرة في دارفور منذ بدايات هذه الألفية (٢٠٠٢م – ٢٠٢٠م)، كان لها إنعكاس واضح في الحرب في دارفور هذه الأيام حيث أخذت الحرب طابعها المحلي في كثير من المواقع فيما لعبت الإدارة الأهلية داورا بارزا في عدم نشوب الحرب في أماكن أخرى والتي تعتبر المورد البشري الرئيس لقوات الدعم السريع مثل الضعين بشرق دارفور والفولة بغرب كردفان، وكذلك منع نشوب القتال وإتمام عمليات إخلاء الجيش من بعض المناطق وتسليم قواعده العسكرية لقوات الدعم السريع دون قتال. أيضا، فقد حاول الجيش كسب بعض المجموعات المسلحة والجماعات القبلية وذلك من خلال إنسحابه وتسليم معداته لقوات كانت معادية له في السابق كما في جبل مرة بدارفور وجبال النوبة بجنوب كردفان، رغم أن بعض عمليات الانسحاب شابها بعض الإشتباكات المحدودة.
تحاول القوات المسلحة السودانية في دارفور، إقحام الجميع في المعركة، وذلك من خلال جر الدعم السريع والمليشيات التابعة له للإشتباك مع المواطنين من جهة، و توزيع السلاح للمواطنين من جهة أخرى، سواء أكان ذلك من خلال التوزيع المباشر في نيالا حاضرة جنوب دارفور حيث تم توزيع عدد ٦٠٠ قطعة من السلاح وكميات كبيرة من الزخائر للمواطنين حتى أواخر مايو ٢٠٢٣م، أو دفع المواطنين لحمل السلاح دفعا بغرض حماية أنفسهم كما حدث في الجنينة، حيث ظلت القوات المسلحة تتفرج على حالات الفوضى المسلحة والإعتداء على المواطنين ونهب ممتلكاتهم ونهب سوق مدينة الجنينة بصورة كاملة ومحاصرتها بواسطة قوات الدعم السريع دون أن تحرك القوات المسلحة ساكنا. أيضا، فقد تأكد أن إستخبارات الجيش السوداني كان لها كبير في إعاقة عملية التعايش السلمي المزمع عقدها بين مكونات المجتمع ومنسوبي القوات الأمنية المختلفة كما حدث في الضعين والفولة، إلا أن الإتسخبارات العسكرية إستعجلت الحرب وقطع الطريق صبيحة يوم التوقيع الموافق الإثنين ١٧ أبريل ٢٠٢٣م.
السيطرة على الجنينة
في حرب الجنينة، والتي إستمرت لأكثر من شهرين الآن، حشدت قوات الدعم السريع عدد كبير من مجموعات القبائل العربية، ولكن الدافع في حرب الجنينة كان مختلفا تماما عن حرب الخرطوم وكردفان وبعض المناطق الأخرى، لقد كان جليا أن الحرب في الجنينة تأسس على رغبة المجموعات المهاجمة في السيطرة على الجنينة (دار مساليت) وذلك من خلال تهجير المواطنين بأعنف ما يمكن من عمليات القتل والترويع والتعدي والنهب والخراب والدمار. فما حدث في الجنينة في الفترة ما بين ٢٣ – ٢٦ أبريل ٢٠٢٣م، كان عمل منظم يهدف إلى تهجير المواطنين بدءا من النهب الكامل لسوق المدينة الرئيس والذي يعتبر أكبر ميناء بري غربي السودان، إضافة إلى تحطيم المستشفيات ونهب محتوياتها من أدوية ومعدات، وتدمير المؤسسات الحكومية والهجوم المباشر على مقرات النازحين والأحياء السكنية، كل ذلك كشف بوضوح عن برنامج عمل ممنهج لتهجير السكان في الجنينة، وهو ما صرح به العديد من المقاتلين الذين هتفوا بأن الجنينة قد أصبحت دار عرب ولم تعد دار مساليت بعد اليوم، خصوصا في اليوم التالي لتصفية الوالي خميس أبكر في ١٤ يونيو ٢٠٢٣م، ومقتل العديد من الناس في الأيام التالية لذلك حيث أوردت بعض التقارير مقتل ما يزيد عن ٤٠٠٠ شخص وإصابة عدد يزيد عنهم.
إستهداف والي غرب دارفور السيد خميس أبكر رئيس التحالف السوداني (الموقع على سلام جوبا) وتصفيته بواسطة قوات الدعم السريع في الجنينة ليس مجرد تراجع قوات الدعم السريع عن سلام جوبا الموقع مع الجبهة الثورية التي يضم التحالف السوداني وحسب، و إنما له دلالات كبيرة عن طبيعة الصراع في الجنينة، رغم محاولة قوات الدعم السريع نفيها لعملية تصفية الوالي والذي ظهر في مكتب قائد الدعم السريع برفقة قائدها عبدالرحمن جمعة بارك الله، والذي إدعى أنه خطط لحماية الوالي خميس الذي قتل بعد لحظات من ظهوره معه وهو يقتاده إلى داخل مكتبه – مكتب قائد الدعم السريع بغرب دارفور. كل القرائن بما فيها التسجيل الصوتي للجنرال عبدالرحمن جمعة تؤكد على أن قوات الدعم السريع هي من قامت بتصفية الوالي خميس أبكر والذي خلق حالة من الإستهجان والذعر العام ليس في الجنينة وحسب وإنما في كل أنحاء السودان وإدانة واسعة من دول الإقليم والعالم المهتمة بالشأن السوداني، كما كان له أثر كبير في نفوس المواطنين الذين فروا بصورة جماعية من الجنينة إلى دولة تشاد المجاورة وسط عمليات القتل والتنكيل والإذلال بينها أحاديث غير مؤكدة (حتى الآن) حول إستهداف وقتل الأطفال الذكور أثناء محاولة الأهالي الوصول إلى الحدود التشادية. أيضا، فقد أكدت تقارير أخرى إستهداف عدد من المسؤلين والمحامين وتصفيتهم بواسطة قوات الدعم السريع بينهم مسؤول مفوضية العون الإنساني المحامي الصادق محمد أحمد هارون، وكذلك المحامي طارق حسن محامي قضية الدفاع في أحداث منطقة كرينك التي قتل فيها ما يزيد عن ٣٠٠ شخص في أبريل ٢٠٢٢م.
تصفية الوالي خميس أبكر مع ترديد عبارات التشفي لحظة قتله "جننتنا جن" تشير بوضوح إلى أن خميس أبكر تم إستهدافه ليس كمسؤول حكومي وحسب، وإنما كقائد محلي ظل يرفض عمليات التعدي على المواطنين كما كان له صوته الواضح في ضرورة وقف العنف المجتمعي والتعايش السلمي مهما كلف الأمر، خصوصا موقفه ضد قوات الدعم السريع من أحداث كريندنق و كرينك في العامين الماضيين، بجانب إنتقاده للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة بسبب تقصيرها في حماية حياة المدنيين، آخره إنتقاده قبل ساعتين من تصفيته للقوات المسلحة السودانية التي ظلت متفرجة على أعمال الفوضى في مدينة الجنينة لأكثر من ٥٦ يوما بالقول "حتى قيادة الجيش التي هي على بعد سبعة كيلومترات مني الآن لم تحرك ساكنا لإنقاذ الوضع أو حماية المواطنين في الجنينة"، فيما لم يتأكد حتى الآن ضلوع الجيش في عملية تسليم الوالي لقوات الدعم السريع عبر قوات شرطة الإحتياطي المركزي الذي قال عنها عبدالرحمن جمعة أنها كانت برفقته والوالي خميس لحظة توقيفه وإقتياده إلى مكتبه حيث لقي حتفه، كما لم يتأكد بعد إذا ما كان قرار تصفية الوالي خميس عبدالله أبكر قد صدر من لقيادة العليا لقوات الدعم السريع.
الهجوم على مدن كتم وزالنجي وطويلة
ما حصل من قتل وتعد في كتم وطويلة ومنواشي (يوم أمس- العيد) لا يقل كيفا عما حدث في الجنينة، و رغم قلة عدد الضحايا مقارنة بضحايا الجنينة إلا أن جريمة الهجوم على كتم وطويلة هي الأخرى كانت إستهداف مباشر للمواطنين وخصوصا أن الهجوم على مدينة كتم بتاريخ ٣ يونيو ٢٠٢٣م قد شمل معسكر كساب للنازحين والذي يضم حوالي حوالي ١٢٠ الف نازح الذين ترحوا بفعل الحرب في دارفور في زمن سابق. و وثقت هيئة محامو دارفور في بيان لها بتاريخ ٤ يونيو ٢٠٢٣م مقتل عدد ٤٠ شخص على الأقل في مدينة كتم وعدد كبير من الجرحى (في اليوم الأول) إلا أن الهجوم تواصل لعدة أيام ليشمل سيطرة قوات الدعم السريع على حامية الجيش مع إستمرارأعمال القتل والنهب بالمدينة.
أما في مدينة طويلة فقد بدأ الهجوم بإطلاق النار على المصلين أثناء خروجهم من المسجد بعد أداء صلاة الجمعة بتاريخ ١٥ يونيو ٢٠٢٣م الأمر الذي خلف عدد كبير من القتلى والجرحى، وأكدت مصادر (خاصة) من طويلة حينها بأن ١٠ أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب عدد كبير من المصلين في الحال، فيما إستمرت عمليات القتل والنهب لأكثر من ثلاثة أيام متتالية تم على إثرها نهب ممتلكات المواطنين من سيارات ومواشي وغيرها، دون وقوع أي إشتباكات بين قوات الدعم السريع في المنطقة لحظة وقوع الهجوم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن محلية طويل ظلت تشهد إشتباكات بين أهالي المنطقة والمجموعات الرعوية التي تحاول السيطرة على المنطقة بينها إشتباكات جبل كولقي الشهيرة بين الرعاة وبعض قوات الدعم السريع من جهة وقوات الحركات المسلحة (الموقعة على سلام جوبا) التي كانت في طريقها – ضمن قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع - لحماية المشاريع الزراعية التي ظلت تتعرض لتعد واضح وتخريب من قبل الرعاة المسلحين في أغسطس ٢٠٢١م.
ويظهر أن العامل المشترك في الهجوم على هذه المناطق هو استهداف الأسواق والأماكن التجارية والمؤسسات الخدمية والحكومية وتدمير المستشفيات والإستهداف الإثني للمواطنين بمشاركة مجموعات تدعي النزاع حول الأرض في عدد من الحالات.
إقتصاد الحرب في كردفان
وبما أنه واضح تماما أن قوات الدعم السريع والقوات الموالية لها تعتمد بصورة أساسية على نهب البنوك ومؤسسات الحكومات الولائية بجانب نهب ممتلكات المواطنين كما حدث في كل من نيالا و زالنجي وكتم والجنينة، إلا أن هذه القوات تنتهج أسلوبا آخر مضافا لما سبق - في مناطق كردفان، كما لا تكتفي قوات الدعم السريع والقوات الموالية لها بعمليات تحصيل الأموال من السيارات والناقلات على الطرق و أخذ محتويات بعضها، وإنما من خلال أخذ فدية لمواطنين يتم إعتقالهم أو إختطافهم بواسطة هذه القوات وإقتيادعم إلى جهات بعيدة (منها منطقة أبوالغر على طريق الأبيض-الرهد) حيث يجبر الأهالي على دفع مبالغ مالية يحددها الخاطفون بنفس طريقة الجماعات المسلحة الليبية التي دأبت على إختطاف وإحتجاز المهاجرين في وقت سابق وتعذيبهم وإجبار أهاليهم في البلدان المختلفة لدفع فديات أو تصفية المحتجرين في حال تعذر الدفع. وقد تأكدت عدد من الحالات التي تم فيها أخذ الفدية من المواطنين مقابل إطلاق سراحهم ولكن نحجب أسماء الضحايا (هنا) بغرض الحماية وعدم تعرضهم للخطر.
وقد حدث أن هاجمت مجموعة من هذه القوات البنك الزراعي بمدينة أم روابة بتاريخ ٩ مايو ٢٠٢٣م بغرض نهبه من أدى إلى مقتل الشرطي الفاضل ضوالبيت وإصابة آخرين من أفراد الشرطة. كما إجتاحت مجموعة من قوات الدعم السريع منزل التاجر عثمان محمد أحمد (قديرة) بتاريخ ٢٠ مايو ٢٠٢٣م ونهبت بعض أمواله وممتلكاته مع إثارة الهلع والزعر للأسرة وبعض المواطنين في المنطقة. وبتاريخ ٢١ مايو ٢٠٢٣م، هاجمت قوات الدعم السريع وبعض المجموعات المحلية التابعة لها سوق بلدة الدبيبات بشمال كردفان (الحدودية مع جنوب كردفان) والمؤسسات الخدمية فيها حيث مارست المجموعات المهاجمة عمليات السرقة والنهب، فيما وثقت تقارير أخرى وقوع حالات إعتداءت جنسية ضد عدد من النساء في موقف المواصلات بسوق المدينة.
ويتضح جليا أن قوات الدعم السريع ومنسوبيها في كردفان يعملون بصورة أساسية على إستهداف الأسواق وممتلكات المواطنين بعرض نهبها منذ أول هجوم على مدينة الأبيض بتاريخ ٢٣ أبريل ٢٠٢٣م، وكذلك إستغلال الفراغ الأمني بغرض تحقيق مكاسب مالية عبر التحصيل وممارسة دور السلطات المالية الرسمية التي إختفت مع بداية الحرب.
الإنتهاكات وغياب المراقبة
و مع أن النفي وتبادل الإتهامات بين المتحاربين حول الإنتهاكات المتعددة بما في ذلك إنتهاكات وقف إطلاق النار المتفق عليها بين أطراف الحرب هي السمة السائدة حول كل ما يحدث، إلا أنه لا يخفى على أي مراقب للأوضاع في السودان أن الطرفين لم يتقيدا بقواعد إشتباك واضحة، حيث تمارس الأطراف المتحاربة كل ما يمكن أن يكون مخالف لقواعد الحرب المنصوص عليها في الأعراف المحلية والدولية، ويشمل ذلك عمليات التعدي على المواطنين وقصف الأحياء السكنية وإحتلال المستشفيات ومقرات المياه وعموم المراكز الخدمية، والتهجير المتعمد للمواطنين وإستغلال المنازل والمؤسسات المدنية للأعمال العسكرية. كل ذلك يحدث وسط غياب تام لأي نوع من أنواع المراقبة الميدانية المستقلة، عدا بعض المنصات غير الرسمية مثل "سودان وور مونيتور" وبعض حسابات الناشطين ولجان المقاومة بوسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كانت هذه الجرائم قد ترقى إلى مستوى جرائم دارفور السابقة والحالية ومن ذات الفاعلين، فإن إستيعاب مسألة الإنتهاكات وتثبيت العدالة الإنتقالية في العملية التفاوضية مع وجود رقابة رسمية مستقلة – من قبل الوساطة وآخرين - وحده ما يوقف عمليات تكرار مجازر دارفور التي حدثت بواسطة قوات الجيش والجنجويد معا في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وغيرها من أماكن الحرب، والتوثيق الدقيق لأجل تطبيق العدالة في أي تسوية مقبلة حتى لا تتكرر هذه الجرائم مرة أخرى وبما يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب تحت أي مسمى أو حصانة يمكن أن يحصل عليها الطرفين خلال أي تسوية.